جريدة الجرائد

العنف وصوملة العراق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صالح عبدالرحمن المانع


يمر العراق بمرحلة تاريخية حاسمة تشهد فيه أطر الدولة ضعفا متزايدا، وتزداد فيه حالات العنف الداخلي الذي يحصد أرواح المواطنين، ليس من أجل هدف سياسي معين، ولكن بشكل يمثل عنفا أعمى تحصد فيه أرواح الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
تدرج العنف بعد تحطيم هيكل الدولة العراقية بعد احتلالها من قبل القوات الأمريكية، وتفكيك مؤسساتها العسكرية والمدنية، ما نتج عنه ضياع الطبقة الوسطى التاريخية المكونة للدولة العراقية، واستيلاء طبقة وسطى جديدة حانقة على تشكل التاريخ العراقي الحديث، وليس لديها صورة ذهنية لبناء دولة وطنية حديثة في البلاد.
تدرج العنف في العراق من حرب ضد المحتل، إلى حرب شبه طائفية، إلى حملات عسكرية بين قوى المعارضة، وحكومة شبه طائفية غير قادرة على إيجاد توافق وطني أو التواصل بين فئات الشعب المختلفة، ناهيك عن محاولة تمثيل تلك الفئات.
زاد هذا العنف هذه الأيام، وأصبح يحصد المدنيين عبر تفجير الأبنية، وعبر الهجوم على بعض القرى وقتل أسر بعض المحسوبين على قوى الصحوة.
العنف في العراق لا يحتكم إلى بناء أخلاقي أو قواعد سياسية، ومع ذلك فإن وجود إدانة أخلاقية ومعنوية عالمية ضد هذا العنف الأعمى، حري بتعرية هذه الأعمال العنيفة وإدانة مرتكبيها ومشجيعها.
يريد البعض القول إن العنف ليس ذا سمة أخلاقية، بل هو يمثل حالة سياسية معينة، تحاول عبرها بعض الفئات السياسية شبه المهمشة أن تضغط على الطبقة السياسية الجديدة في العراق. ولكن الطبقة السياسية الجديدة في العراق لا تعيش في شوارع بغداد، ولكنها تعيش في منطقة محصنة فيما يسمى بالمنطقة الخضراء. وهي حتى في مناقشاتها ومفاوضاتها السياسية تسافر إلى بلدان الجوار في طهران لصنع قراراتها السياسية، وصياغة تحالفاتها الائتلافية. والطبقة السياسية في العراق وللأسف منحازة مكانيا وسياسيا خارج الوطن العراقي.
ولنعد إلى موضوع العنف، والعنف بالأساس ذو دافع سياسي لتحقيق أهداف سياسية. ولكن العنف يمكن أن يأخذ ملامح تعكس الواقع المر الذي يعيشه المواطن العراقي. فهذا المواطن قد فرضت عليه الحرب طوال سنين عديدة، وهو يعاني من نقص الخدمات الصحية والاجتماعية بشكل حاد. وهو غير قادر على تدبير أموره الحياتية، لذلك فهو يلجأ إلى العنف احتجاجا على سياسات التهميش التي تبنتها حكومة المالكي طيلة السنوات الأربع الماضية.
والعنف كما يقول (يوحان جالتونج) نابع من أسباب هيكلية، فجزء كبير من الشعب العراقي أصبح مهمشا بفعل الطائفية السياسية المقيتة، التي تحرمه حقه في المشاركة السياسية وصنع المستقبل، بل في الحياة نفسها. وما نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة إلا محاولة للعودة إلى نقطة الصفر، والتصويت لرجل علماني مثل إياد علاوي ليحكم بلدا متعدد المذاهب والقوميات. وبدلا من أن يقبل المالكي والطبقة السياسية التي يمثلها بنتائج تلك الانتخابات، فإنه كان أول من رفضها وحاول بشتى الطرق تعديلها، عن طريق لجنة (أحمد الجلبي)، أو عن طريق الطعونات المختلفة في سير العمليات الانتخابية، أو عن طريق إقناع الهيئة القضائية بتغيير قواعد اللعبة بحيث تحرم الحزب الفائز من حق تكوين الوزارة. إذا فالطبقة السياسية الجديدة في العراق عزلت نفسها عن مواطنيها، وهي غير جديرة باحترام نتائج الانتخابات والالتزام بشرعيتها.
ورغم ذلك فإن كل هذه الإشكاليات لا تبرر قتل المواطنين العزل وتفجير منازلهم، فذلك عمل جبان ينبغي إدانته بكل الصور الممكنة.
وينبغي أن نسأل في هذا المقام السؤال الطبيعي، وهو متى سينتهي هذا العنف وتحقن دماء الأبرياء. وتبدأ الإجابة عن هذا السؤال حين تبدأ الطبقة السياسية في العراق باحترام حقوق مواطنيها، والالتزام بالقواعد القانونية والأخلاقية للعمل السياسي. وتنهض جاهدة لإيجاد بدائل سياسية مقبولة للحصول على إجماع وطني يعيد العراق لمحيطه التاريخي ولجذوره العربية والإسلامية. حينها فقط ستنطفئ حمى العنف، ويعود الناس لاحترام بعضهم البعض، والاعتراف بإنسانيتهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف