جريدة الجرائد

قبل أن يغرق الإعلام الكويتي في الأزمات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ياسر عبد العزيز


تحتاج الكويت إلى حلول إبداعية لتقليل الأزمات الإعلامية المتلاحقة والمتفاقمة؛ بعضها يتصل ببناء قدرات التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام عبر إصدار الأدلة الملزمة والتدريب، وبعضها الآخر يتعلق بضرورة إنشاء مؤسسة للدقة العامة، تراقب الأداء الإعلامي، وتتمتع بالخبرة والاستقلال والنزاهة والكفاءة.

لا تكاد الكويت تخرج من أزمة إعلامية حتى تنخرط في أزمة أخرى؛ ربما لأن واقعها المجتمعي ثري ونشط وحافل بأجواء النزال، أو لأن واقعها الإعلامي، الفائر بالمواهب والمفعم بزخم المنافسة، يعكس تنازعاً وصراعاً سياسياً واجتماعياً وفكرياً محتدماً، ويكتظ بأدوات ووسائل إعلامية، تمثل نقاط ارتكاز لمصالح وغايات شديدة التضارب، وبعضها لا يتحلى بالرشد المطلوب، ولا يقيم للمصلحة العامة الاعتبار الواجب.

ولعل تكرار تلك الأزمات وتكرسها أحياناً لا يعود فقط إلى توافر مواردها وتجددها، ولكنه يعود في جزء منه إلى أن معالجتها تتم بصورة قاصرة ومجتزأة؛ مرة من خلال القنوات القضائية، ومرة أخرى عبر تدخلات السلطة التنفيذية الخشنة، ومرة ثالثة من خلال 'مجلس الأمة'، حيث يتم تجييرها لمصلحة قوى سياسية متصارعة، ومرة أخيرة عبر تركها تتفاعل حتى تضمر وتخمد نارها، أو تبقى مشتعلة تحت الرماد، تنتظر الفرصة لتعبر عن نفسها في صدام آخر.

والواقع أن الإشارات كلها تفيد أن تلك الأزمات مرشحة دوماً للتكرار، ما لم يتم التوافق على حلول جديدة تخلق فرصاً أفضل للتعاطي مع الاعتوارات والأخطاء التي ترد عبر الممارسة الإعلامية، وتحفظ حرية الإعلام، وتراعي المصلحة العامة، وتصون حقوق الأفراد والجماعات المنخرطة في قصص الإعلام ومعالجاته في آن.

لقد استطاعت بعض الدول الغربية المتقدمة تطوير وسائل متكاملة يمكنها أن تقلل من الأزمات الإعلامية إلى أقصى درجة ممكنة، وأن تحد من حجم المشكلات التي يصدرها التنازع حول أدوار الإعلام وممارساته إلى القضاء والبرلمان والمجال العام، وتغل يد السلطة التنفيذية عن التحكم في التعاطي الإعلامي وحرفه وتهديد استقلاله في الوقت ذاته.

ومن تلك الوسائل ما يتعلق بتطوير قدرات التنظيم الذاتي لدى وسائل الإعلام نفسها؛ إذ تعمد بعض وسائل الإعلام الغربية إلى إصدار 'أدلة إرشادات تحريرية'، تحوي القواعد الأخلاقية والمهنية الواجب اتباعها عند التصدي لتغطية الموضوعات والقصص، بحيث تقدم إجابات مفصلة عن أسئلة يمكن أن تطرأ على الإعلامي الذي ينخرط في تغطية قصة ما، وهي إجابات تتوخى المعايير القياسية، ويساعد الالتزام بها على التقليل من التجاوزات التي تخلق الأزمات إلى أقصى درجة ممكنة.

وتنشئ بعض وسائل الإعلام المرموقة 'وحدات سياسة تحريرية'، تضم إعلاميين مخضرمين وعناصر خبرة قانونية وإدارية، لإعطاء المشورة للمحررين في ما يتعلق بالجوانب الأخلاقية والقانونية عند التصدي لتغطية قصص ملتبسة وشائكة، قد يؤدي التعاطي غير المهني معها إلى توليد أزمات ومشكلات، وبما يضمن توفير المشورة اللازمة لضبط الأداء وإبقائه ضمن حيز المعايير المهنية.

وإضافة إلى ذلك، فإن بعض وسائل الإعلام تحرص على تطوير وحدات تدريب دائمة داخل الوسيلة الإعلامية نفسها، لرفع مهارات الإعلاميين وإكسابهم المعرفة اللازمة للتصدي لتغطية النزاعات والصراعات السياسية والاجتماعية والقضايا ذات الحساسية والخطورة، عبر تزويدهم بمعارف قانونية ومهنية وقيمية.

لكن تعزيز قدرة وسائل الإعلام على مقاربة القضايا بأقل قدر ممكن من الأخطاء المهنية والأخلاقية والقانونية، عبر بناء قدرات الوسائل ومنسوبيها من الإعلاميين، لن يكون قادراً وحده على الحد من النزاعات والأزمات التي تتولد بسبب الإعلام، أو تتفاقم فيه، إلى درجة مرضية؛ إذ تظل فرص الخطأ والتجاوز واردة في كل الأحيان.

لذلك، فإن دولاً غربية عدة طورت نمطاً مؤسسياً يؤطر الممارسة الإعلامية، يسمى بـ'مؤسسات الدقة العامة'، وهي مؤسسات تنشأ في صيغة مستقلة عادة، وتضمن تمويلاً لا يمس نزاهتها ولا قدرتها على الاستدامة بقدر الإمكان، وتقوم بأدوار متابعة الأداء الإعلامي، وتلقي الشكاوى من المتضررين من الممارسات الإعلامية، وبحثها، والوصول إلى تقييمات وقرارات في شأن مسؤولية وسائل الإعلام والإعلاميين المعنيين بصددها. كما تمتلك صلاحيات لتوقيع اللوم المعنوي، ونشر الأخطاء، وإلزام الوسيلة الملامة بالتصحيح والاعتذار ونشر الردود أو بثها، كما تمتلك بعضها سلطة توقيع عقوبة إيقاف الصدور أو البث بصورة مؤقتة، أو التوصية بالإيقاف النهائي للبث والصدور وسحب التراخيص في الحالات المتفاقمة وبعد عدد من التنبيهات والتحذيرات والعقوبات المتدرجة. ومن تلك المؤسسات مكتب الاتصالات بالمملكة المتحدة (Office for Communications (Of COM، وهو هيئة مستقلة عن الحكومة، لكنها مسؤولة أمام 'مجلس العموم'، وتختص بتلقي شكاوى الجمهور والأطراف المتضررة من خدمات الاتصالات، وعلى رأسها خدمات الإذاعة والتلفزيون. وتمتلك الهيئة سلطة توقيع عقوبات معنوية ومالية، كما يمكنها إيقاف بعض البرامج والإعلاميين عن العمل، ويتم تمويلها من رسوم تدفعها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وبعض المنح الحكومية. وهناك أيضاً لجنة شكاوى الصحافة بالدولة نفسهاPress Complaints Commission (PCC)، وهي هيئة مستقلة، تلتزم بالبت في شكاوى الجمهور من ممارسات الصحافة المطبوعة، وتنتهج عدداً من الأساليب لتوجيه النقد واللوم والتوبيخ المعنوي للوسائل التي تتم إدانتها. وقد حققت اللجنة في نحو خمسة آلاف شكوى في عام 2008، وتقول إنها خففت الضغط بدرجة كبيرة على القضاء بمنعها وصول النزاعات إليه.

وهناك أيضاً اللجنة الفيدرالية للاتصالات Federal Communications Commission (FCC)، وهي وكالة أميركية مستقلة، تختص بمتابعة أداء وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. ويقودها خمسة أمناء، يتم تعيينهم من قبل الرئيس، لكن مجلس الشيوخ يجب أن يقر تعيينهم، على ألا ينتمى أكثر من ثلاثة منهم لحزب واحد، لضمان عدم الانحياز.

تحتاج الكويت إلى حلول إبداعية لتقليل الأزمات الإعلامية المتلاحقة والمتفاقمة؛ بعضها يتصل ببناء قدرات التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام عبر إصدار الأدلة الملزمة والتدريب، وبعضها الآخر يتعلق بضرورة إنشاء مؤسسة للدقة العامة، تراقب الأداء الإعلامي، وتتمتع بالخبرة والاستقلال والنزاهة والكفاءة، وتبت في شكاوى المتضررين، وتمتلك صلاحيات لإنزال عقوبات معنوية وغرامات مالية موجعة بالمخطئين، ومن ثم تحد إلى درجة كبيرة من انفلات بعض وسائل الإعلام من جهة، وتقلل الضغوط التي تستهدف حرية الإعلام وازدهاره من جهة أخرى.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
التدريب التدريب
نواف -

إذا صدر قانون المرئي والمسموع فلن يحل المشكلة كذلك يجب ان يتدرب الصفحيين انفسهم على القم واخلاقيات العمل الاعلامي

التدريب التدريب
نواف -

إذا صدر قانون المرئي والمسموع فلن يحل المشكلة كذلك يجب ان يتدرب الصفحيين انفسهم على القم واخلاقيات العمل الاعلامي