الصحافة الإلكترونيّة... تنافس الورقيّة والمرئيّة في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يبدو المشهد الإعلامي الإلكتروني مغايراً في لبنان لما هي الحال في باقي الدول العربية. وفيما تغيب الرقابة الرسمية عن المواقع الإلكترونية والمدوّنات اللبنانية، لا تنفكّ دول مجاورة عدة عن ملاحقة المدوّنين وحجب المواقع الإلكترونية أو إغلاقها، كما في مصر والسعودية وسورية وتونس... وإذا كان اللبنانيون بدأوا بالتعاطي مع الصحافة الإلكترونية كوسيلة شريكة للصحف والمحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية، بالتزامن مع استفاقة إعلانية إلكترونية، إلا أنه في معظم الدول العربية باتت المواقع الإلكترونية أشبه بأداة للتفلّت من الرقابة، من خلال مواجهتها السلطة أحياناً ومهاجمتها الأنظمة أحياناً أخرى، وتشكيلها منبراً لمناقشة {التابوهات} والمحظورات في أحيان كثيرة. بغضّ النظر عن الدور الذي تؤديه المواقع الإلكترونية الإخبارية في لبنان والعالم العربي، إلا أنها بالتأكيد تجذب جيلاً جديداً من المتابعين والقرّاء الشباب، يتجاوز بأضعاف الجيل الذي تجذبه، على الأقل، الصحافة الورقية.
قلّة هم الأشخاص الذين يبدأون نهارهم في لبنان من دون متابعة الأخبار السياسية، عبر التلفزيون أو الراديو أو قراءة الصحف. وكثرٌ هم الموظفون الذين باتوا يعتمدون على المواقع الإلكترونية لاستطلاع الأخبار والتطوّرات، على غرار {لبنان الآن}، و{ليبانون فايلز} في وقت تستحوذ فيه متابعة صفحات الإنترنت على الجزء الأكبر من اهتمامات الشباب اللبناني.
وإذا كان الإعلام المكتوب الأكثر تضرراً في عصر الانترنت، نظراً الى سرعة المواقع الإلكترونية في نقل الأحداث لحظة وقوعها حول العالم، ما دفع الصحف الأجنبية الكبرى نحو اعتماد نسخة إلكترونية، تخضع دورياً للتحديث، فإن الصحافة الإلكترونية بدأت تفرض نفسها في لبنان، على حساب الصحف أيضاً، بالتزامن مع تجاوز أعداد قرائها أعداد قرّاء النسخ الورقية.
ويبدو أن المقارنة بين المشهد الإلكتروني في لبنان والعالم العربي لا تودي الى خلاصات متشابهة. إذا كان يصح الحديث عن {ظاهرة} المدونات والمواقع الإخبارية في العالم العربي، نظراً الى الدور الهام الذي تضطلع به في مقاومة مقصّل الرقيب وبث الأخبار والمعلومات التي تُحجب من السلطات، فإن الوضع مغاير في لبنان مع تحوّل {الظاهرة} الى واقع ملموس.
إعلام منافس
في هذا الإطار، يوضح مدير عام شركة {ستاتيستيكس ليبانون} وناشر موقع {ليبانون فايلز} الإلكتروني ربيع الهبر، أنه لم يعد يصحّ الحديث عن ظاهرة المواقع الإلكترونية في لبنان، لأن الموضوع تعدى إطار الظاهرة، وأصبح الإعلام الإلكتروني منافساً لباقي وسائل الإعلام. ويشير الى أن الإعلام الإلكتروني بات في متناول أيدي الجمهور، شأنه شأن الصحف والمجلات والتلفزيون، وبمجرد وصول أي شخص الى مكتبه، يزور المواقع الإلكترونية لمعرفة آخر الأخبار. وتُظهر الإحصاءات، وفقاً للهبر، أن هذه المواقع أصبحت مصدر المعلومات الرئيس، ويجذب الموقع الأقل مستوى بين المواقع الإخبارية الجدية في لبنان قراءً أكثر من أي جريدة في لبنان.
لا يتّفق وزير الإعلام السابق، ووزير الأشغال العامة والنقل الحالي، غازي العريضي مع ما جاء على لسان الهبر، ويتساءل: {لماذا نذهب إلى الإعلام الإلكتروني، وهل صحيح أنَّ التعامل معه أسرع وأسهل؟}، مجيباً في الوقت عينه بأنه لا يرى ذلك {محسوماً}. العريضي، وخلال مؤتمر جامعي بعنوان {الصحافة التقليدية والإعلام الإلكتروني}، مطلع الأسبوع الفائت في بيروت، سجّل ملاحظة حول أن عدداً كبيراً من العاملين في المواقع الإلكترونية ليسوا إعلاميين ولا طلاب جامعات وكليات إعلام. وأشار الى أن {ذلك ليس عيبًا لأنَّ ثمة إعلاميين لم يدرسوا الصحافة والإعلام، إنما أتحدث عموماً لأقول إن الموقع الإلكتروني يُستخدم لغايات أخرى}. ولكن تلك الملاحظة لم تمنع العريضي من الاعتراف بأن {ثمة تكاملاً في سياق التنافس بين الصحافتين الإلكترونية والتقليدية}.
لحظويّة الأخبار
وفقاً للهبر، تكمن أهمية الإعلام الإلكتروني في لحظوية أخباره ووصوله الى الناس تلقائياً، ويقول: {يصل الخبر الى القارئ في مكتبه أو عبر هاتفه، ما يجعله يواكب الأخبار لحظة بلحظة. نقرأ في الجريدة أخباراً بائتة، ويقدّم التلفزيون نشرتين أو ثلاثاً في مواعيد محددة مسبقاً، وتمرِّر الإذاعات شريطاً إخبارياً وفق المواعيد التي تقرّرها، في حين يقدّم الإعلام الإلكتروني الأخبار عندما يريدها القارئ، وربما تكون المتابعة والمواكبة الإلكترونية أفضل بكثير مما تقدّمه بقية وسائل الإعلام}.
من المؤكد أن المواقع الإلكترونية تشكّل اليوم أسرع وسيلة إخبارية تجعل القارئ على تواصل وتماس دائم مع التفاصيل والأحداث كافة، مع التفاوت في السرعة بين موقع وآخر، بحسب نشاط كل موقع إلكتروني وقدرته على المتابعة من خلال شبكة المندوبين والمحرّرين ودوامات العمل. ولا يرتبط عامل السرعة بإيراد الأخبار على الموقع فحسب، بل يشمل أيضاً الخدمات المقدّمة عبر الهاتف، على غرار خدمة الخبر السريع وسواها.
وإذا كان أهل الإعلام والسياسة والجمهور لم يأخذوا على محمل الجد محتوى المواقع الإلكترونية عند انطلاقتها، إلا أنها اليوم تفرض نفسها شريكاً رئيساً على الساحة الإعلامية. وما التبادل الإخباري الحاصل بين وسائل الإعلام التقليدية والصحافة الإلكترونية إلا دليل عملي على هذا الاعتراف المتبادل. يندر، مثلاً، خلوّ نشرة أخبار مسائية من معلومات أو مواقف مستقاة من المواقع الإلكترونية. يورد الهبر، في هذا السياق، أن الجميع يأخذون ما يُنشر على محمل الجدّ، وعندما تنشر الصحف خبراً ما، يبقى مصدره معروفاً حتى لو لم تذكره.
فورة الإعلان
مكانة الإعلام الإلكتروني المستجدة هذه، تجد ترجمتها العملية مع فورة الإعلان الإلكتروني راهناً، إذ يتحدث القيّمون على المواقع الإلكترونية عن ثقافة الإعلان الإلكتروني. في هذا الإطار، يشير الهبر الى أن الإعلانات باتت تُحجز لثلاثة أو أربعة أشهر مسبقاً. ويقول: {غاب الإعلان الإلكتروني في الفترة السابقة، لكننا نلمس منذ خمسة أشهر وعياً إعلانياً تجاه المواقع الإلكترونية. أخذت العملية وقتاً، لكنّ الوضع أفضل بكثير اليوم}.
من الناحية القانونية، لا قانون ينظّم عمل الإعلام الإلكتروني في لبنان، ويقتصر النقاش في الموضوع على ورش عمل خاصة ومؤتمرات أكاديمية لا أكثر من دون تحرّك جدي. لكنّ القيّمين على هذه المواقع لا يشعرون بحاجة ملحة الى تنظيم هذا القطاع، خوفاً من فرض قيود معيّنة قد تعيق عمله. وينقل الهبر، الذي أعد مسودّة اقتراح قانون لتنظيم الإعلام الإلكتروني وقدّمها الى وزير الإعلام طارق متري، بناءً على طلبه، تفهُّم هذا الأخير لدور الإعلام الإلكتروني، مشيراً الى أن هدف متري حماية هذا القطاع أكثر منه عملية تنظيمه.
تنظيم قانوني مستبعد
يؤكد الهبر رفضه، مبدئياً، وضع أي قيود تعرقل عمل الإعلام الإلكتروني، مشدداً على ضرورة تشجيعه، في إطار احترام الحريات العامة وحرية التعبير في البلد، وبالتالي فإن المرونة ينبغي أن تكون لازمة أي قانون، على أن يتماشى، في الوقت عينه، مع القوانين الإلكترونية العالمية، وإن كان الهبر لا يرى أية خطوة تنظيمية عملية في المدى القريب.
في ما يتعلق بالعاملين في المواقع الإلكترونية، تبدو ملاحظة العريضي واقعية لناحية أن معظم المحررين ليسوا صحافيين أصلاً، ولكن ذلك بالتأكيد لا يقلّل من مضمون عملهم، في حين يبدو لافتاً أن معظم كتاب التحقيقات والمقابلات هم صحافيون يعملون في وسائل إعلامية أخرى، وتطول لائحة الأسماء في هذا المضمار.
في استطلاع لآراء عدد من الصحافيين، يميّز المراسل في {إخبارية المستقبل} وكاتب التحقيقات في موقع {لبنان الآن} محمد بركات بين مهمّته في الوسيلتين، انطلاقاً من الاختلاف في منهجية عمل كلّ منهما وطريقته، إذ تفترض الكتابة للتلفزيون الكتابة عن مجموعة صور، في حين أن الكتابة للصحافة المكتوبة، وضمناً الإلكترونية، حرة أكثر بحيث يستطيع الصحافي وصف مشهد معين أو نشر معلومة حصل عليها من دون الحاجة الى وجود صورة.
غواية التعليقات المكتوبة
وفقاً لبركات، وعلى رغم تقدّم الصحافة الإلكترونية، يبقى جمهور التلفزيون أكبر بكثير ودليله الى ذلك حجم الردود والتعليقات التي يتلقاها حول تقرير تلفزيوني أعدّه، حتى بعد فترة طويلة على عرضه، ولكنه في الوقت عينه لا ينكر {الغواية} الموجودة في تلقّي التعليقات المكتوبة على تحقيق منشور، انطلاقاً من أن الصحافي {يبقى ضعيفاً أمام النص المكتوب، وتغريه التعليقات التي يقرأها أكثر بكثير من تلك التي يسمعها}.
وإذا كان بركات يعتبر أن المواقع الإلكترونية أثبتت منذ ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة وجودها، وخاضت نصف المعارك السياسية، متحدثاً عن {ندّية} في التعاطي اليوم بين وسائل الإعلام والصحافة الإلكترونية وتبادل الأخبار في ما بينها، إلا أن الصحافي في جريدة {الأخبار} وكاتب المقالات والتحقيقات في موقع {النشرة الإلكتروني} غسان سعود يرى أن المواقع الإلكترونية نجحت في أن تؤدي دوراً إخبارياً، لكنها لم تصل بعد الى مرحلة صنع الرأي العام، بدليل أنها لم تؤثر على رأي الناخبين، مقابل رصد تفوّق المواقع الحزبية في هذا الإطار.
سرعة واختصار
يوضح سعود أن المواقع الإلكترونية تعتمد على السرعة والاختصار، ولا حاجة الى المطوّلات التي تتسع لها الصحف، في مقابل توافر عوامل إنجاح التحقيق أو المقال، من صور مرفقة وعناوين وكادرات في الصحف فحسب. ويلاحظ أن مضمون ما يُنشر على الموقع أكثر انضباطاً من الصحيفة، مستغرباً كيف أن الصحف لا تزال تحتل المرتبة الأولى لناحية ثقة القراء بها وبمصداقيتها، في وقت يتجاوز عدد قراء موقع إلكتروني في اليوم الواحد عدد قراء الصحيفة.
يفصل سعود بين المقالات المخصصة للموقع وتلك المخصّصة للصحيفة، محتفظاً دائماً بما يعتبره مقالاً أو موضوعاً مميزاً لصحافة الإنترنت. ويخلص بالإشارة الى أن {قراء الموقع الإلكتروني هم جمهور جديد بالنسبة إليّ، وهم الذين سيواكبونني في المستقبل أكثر من أولئك الذين يتابعون الصحيفة}.
يطول الحديث عن الصحافة الإلكترونية وكيفية تعاطي القراء وتفاعلهم معها، والأكيد أنها تنجح يوماً بعد يوم في فرض وجودها على الساحة المحلية، من دون أن يطيح حضورها هذا بوسائل الإعلام التقليدية، انطلاقاً من أن لكل وسيلة أسلوبها وخصوصيتها وجمهورها.