جريدة الجرائد

السلاح الفلسطيني في لبنان يسيء إلى فلسطين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

تطرح الاشتباكات التي شهدتها قاعدة عسكرية فلسطينية في منطقة البقاع اللبنانية مجدداً مشكلة اسمها السلاح الفلسطيني في لبنان. كانت الاشتباكات بين عناصر من الجبهة الشعبية - القيادة العامة التي يتزعمها السيد أحمد جبريل الموجود في دمشق منذ فترة طويلة وأدت إلى سقوط قتيل وبضعة جرحى. خلاصة الأمر أن تمرداً داخلياً حصل داخل إحدى القواعد التابعة للجبهة تطور إلى اشتباكات. إذا كانت هذه الأحداث تدل على شيء، فإنها تدل على الحاجة إلى وقف التعاطي مع لبنان بصفة كونه "ساحة" وأن ارضه مستباحة لكل من أراد الدخول في لعبة مزايدات لا طائل منها خدمة لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك، أكان هذا الطرف عربياً أو غير عربي.
هل يريد الفلسطينيون التعلم من تجارب الماضي القريب عن طريق التوقف عن اللجوء إلى السلاح في الأراضي التي لديهم وجود فيها؟ في النهاية، يمكن تفهم لجوء الفلسطينيين إلى حمل السلاح في الضفة الغربية وغزة، علماً أن السلاح عاد عليهم دائماً بالويلات بدليل نتائج الحرب الأخيرة التي تعرض لها قطاع غزة. ولكن ما ليس مفهوماً هو لماذا لديهم قواعد عسكرية في لبنان، ولماذا هذا الاصرار على تحدي الاجماع اللبناني، خصوصاً بعدما توصلت طاولة الحوار بين اللبنانيين من كل الفئات والأحزاب والطوائف والمذاهب إلى قرار بضروة الانتهاء من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؟ هذا السلاح اساءة إلى لبنان وفلسطين في الوقت ذاته وهو يضع اللبنانيين في مواجهة، هم في غنى عنها، مع منظمات فلسطينية تعتبر نفسها في موقع معارض مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
لا شك أن من حق هذه المنظمات، على رأسها "القيادة العامة" الاعتراض على السلطة الوطنية الفلسطينية وسياساتها وممارساتها من منطلقات خاصة بها قد لا يوافق عليها الإنسان العاقل. لكن السؤال يبقى كيف يكون لهذا الاعتراض فعالية من أي نوع كان انطلاقاً من قواعد عسكرية في الأراضي اللبنانية لا تشكل سوى اعتداء على سيادة لبنان؟
آن وقت اتخاذ قرار شجاع يقضي أول ما يقضي بالانتهاء من هذه القواعد التي هي وصمة عار على وجه فلسطين ولبنان. فما لابد من الاعتراف به أولاً، أن لا قيمة عسكرية لهذه القواعد. أكثر من ذلك، ان لبنان استطاع الصمود إلى حد كبير في حرب صيف العام 2006 بفضل مقاتلي "حزب الله" الذين أبلوا البلاء الحسن في المواجهة مع العدو الإسرائيلي. خسر لبنان كثيراً في حرب صيف العام 2006. لحق به تدمير كبير واضطر مئات آلاف المواطنين إلى ترك منازلهم. أكثر من ذلك، لا تزال هناك إلى الآن منازل مهدمة لم يستطع أصحابها الحصول على التعويضات التي وعدهم "حزب الله" بها. هذا أمر متروك البحث فيه بين اللبنانيين أنفسهم. لكن اللافت أن القواعد الفلسطينية خارج المخيمات لم يكن لها أي دور في حرب صيف العام 2006 وهي موجودة فقط لتأكيد أن لبنان أرض فالتة، وأن المؤسسات اللبنانية، في مقدمها الجيش، غير قادرة على السيطرة على الأراضي اللبنانية كلها.
متى نظرنا إلى تجربة لبنان مع السلاح الفلسطيني، خصوصاً مع سلاح "القيادة العامة"، نجد أن لا فائدة من هذا السلاح في أي شكل من الأشكال. تكفل السلاح الفلسطيني بزج الفلسطينيين في حروب داخلية عادت على قضيتهم بأضرار هائلة. وإذا كان الأردن استطاع في العام 1970 القضاء على فوضى السلاح الفلسطيني، فإنه قدم بذلك أكبر خدمة للفلسطينيين نظراً إلى أن سيطرتهم على المملكة كانت ستؤدي إلى قيام "الوطن البديل". استطاع الأردن بطرد المسلحين الفلسطينيين من أراضيه أن يحمي نفسه وأن يحمي الشعب الفلسطيني من مشروع "الوطن البديل" الذي سعت إليه إسرائيل باستمرار. المؤسف أن لبنان، بسبب تركيبته الداخلية المعقدة، لم يستطع وضع حد لانتشار السلاح الفلسطيني في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وقد شاركت "القيادة العامة" بشكل فعال في حروب داخلية لبنانية وكان لمقاتليها دور أساسي في تدمير الفنادق الكبيرة التي كانت قائمة في وسط العاصمة، خصوصاً في منطقة الزيتونة وعين المريسة المطلتين على البحر. تولت "القيادة العامة" تفجير هذه الفنادق الواحد بعد الآخر. كان التخلص من الفنادق بحجة أن فيها مقاتلين من الأحزاب المسيحية هدفاً بحد ذاته في العامين 1975 و1976. الآن هناك اجماع لبناني على أمر ما. للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث يحصل مثل هذا الاجماع على قضية مهمة، هي السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. هل كثير على "القيادة العامة" أن تقدم ولو لمرة واحدة خدمة إلى لبنان، لعلّ ذلك يكفّر عن بعض ذنوب الماضي وعن ممارسات أقل ما يمكن أن توصف به أنها همجية نظراً إلى أنها شملت الخطف والذبح على الهوية. الثابت أن كل المنظمات والأحزاب اللبنانية التي شاركت في الحرب لجأت إلى مثل هذا النوع من الممارسات. لكن الفارق بين "القيادة العامة" والآخرين يكمن في ذلك الاصرار على البقاء في أسر السلوك الذي اعتمدته خلال مرحلة الحرب اللبنانية.
بعض التواضع يبدو ضرورياً هذه الأيام، خصوصاً من جانب "القيادة العامة" وما شابهها من منظمات فلسطينية تسعى إلى التخلص من السلطة الوطنية الفلسطينية ومشروعها السياسي المرتكز على التفاوض والنضال السلمي من أجل التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة. لا جدال في أن لهذه المنظمات وجهة نظر خاصة. ولكن يبقى ما دخْل لبنان في ذلك، وكيف يمكن للاعتداء على سيادته المساهمة في مشروع تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أو من النهر إلى البحر، لا فارق. هل لدى "القيادة العامة" وغير "القيادة العامة" جواب مقنع عن هذا السؤال؟


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف