جريدة الجرائد

القرار خطير ويتطلب توافقا وطنيا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

طاهر العدوان

هناك وجهتا نظر متداولتان في الاوساط الرسمية والشعبية في كيفية التعاطي مع القرار الاسرائيلي ,1650 الذي سينجم عنه البدء بعملية تطهير عرقي, او ترانسفير لعشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة. والذي تعني ترجمته ان البلاد ستكون الهدف الرئيسي لهذا الترانسفير.

وجهة النظر الاولى تقول بعدم التهويل سياسيا وإعلاميا لعواقب هذا القرار, لان اسرائيل لن تجرؤ في النهاية على تنفيذه. فالاردن سيقاومه وكذلك المجتمع الدولي. وبان هذا القرار يخدم "ائتلاف حكومة نتنياهو" لكنه غير قابل للتنفيذ, لهذا يرى اصحاب هذا التوجه, ان إثارة الخوف والقلق في المجتمع الاردني من تداعياته ليست ضرورية فالاردن قادر بالطرق السياسية والدبلوماسية على محاصرته وابطاله.

اما وجهة النظر الاخرى, فتقول ان هذا القرار من اخطر القرارات التي اصدرتها اسرائيل في الضفة الغربية منذ احتلالها, لانه تعبير عملي لمواقف ايديولوجية وسياسية وعملية, عنصرية متطرفة, ينتمي اليها نتنياهو الذي يعتبر على يسار متطرفين أشد منه غلوا وعنصرية, من امثال ليبرمان. الذين لا يخفون منذ وصولهم الى الحكم الهدف بتدمير أسس عملية السلام وقلع جذور اتفاقيات أوسلو, وجعل ظروف اقامة دولة فلسطينية في الضفة والقدس امرا مستحيلا بسبب ما يحدثونه من تغييرات جوهرية شاملة من خلال مشاريع الاستيطان والتهويد.

اصحاب وجهة النظر الاولى لا يزالون من المؤمنين بعملية السلام وهم لا يرون وسيلة اخرى لانهاء الاحتلال, الا من خلال جهود الولايات المتحدة, مع ان أوباما ساوى في آخر تصريحاته بين العرب وبين اسرائيل في تحمل مسؤولية رفض السلام. وهذا الانحياز الاعمى لاسرائيل لم يدفع باصحاب هذه النظرة الى فرك عيونهم لازالة الغشاوة عنها.

امّا الذين يرون ان القرار الاسرائيلي خطير جدا على أمن واستقرار ومستقبل الاردن ينطلقون من الاعتبارات المنطقية التالية (1) ان جلالة الملك سبق وان اعلن بحزم, امام تطور سابق اقل خطورة في عام ,2003 اثناء حرب شارون على السلطة الوطنية, بان اي تهجير جماعي عبر الجسور سيُقابل بالقوة. وان الجيش سيتصدى لاي محاولة من هذا القبيل. (2) ان جوهر القرار هو البدء بعملية ترانسفير واسعة, فالقرار موجود, وتنفيذه قد يتم في كل لحظة, وليس بالضرورة بعمليات ترحيل جماعي للفلسطينيين (هذا غير متوقع) لكن تسفير بالقطعة عبر الجسور وبَنَفسٍ طويل. (3) ان هذا القرار انتهاك صارخ لمعاهدة السلام الاردنية - الاسرائيلية, التي نصّت في احد بنودها على عدم قيام اي طرف بترحيل جماعي عبر حدود الطرف الآخر. او ما يسمى "بالتهجير المتبادل".

وفيما تعبر وجهة النظر الاولى عن نفسها بغياب تحرك نشط اعلامي وسياسي معلن من قبل الخارجية الاردنية ووسائل الاعلام الرسمية لمواجهة القرار الاسرائيلي, وفي استمرار منع النشاطات الشعبية التي تطالب بإحياء حق العودة واقامة المهرجانات. فان الرأي المقابل يرى ضرورة تعزيز مواقف الحكومة التي اعلنتها يوم الاربعاء الماضي وتصعيد لهجتها الهجومية المضادة للخطوة الاسرائيلية. كما ان تصريحات وزير الداخلية نايف القاضي يوم الخميس عن استعداد الاردنيين للاستشهاد دفاعا عن وطنهم لا زالت تلاقي صدى ايجابيا بين صفوف الاردنيين وتعبر عن رد الفعل الذي يتجيش في صدورهم بمواجهة القرار الاسرائيلي الخطير.

في الخلاصة: لوجهتي النظر قيمتهما السياسية والفعلية, بشرط ان لا يحل احدهما محل الآخر, او ينفي الحاجة لوجهة النظر المقابلة, فالقرار خطير فعلا والاردن اكثر من اي وقت مضى مطالب بحشد جميع اسلحته السياسية والرسمية والشعبية لتوجيه رسالة قوية للعصابة الحاكمة في اسرائيل بانها تلعب في النار, اننا في مرحلة نحتاج فيها بقوة الى اعلى صيغ التوافق الوطني المبني على وجهتي النظر اعلاه من هذا القرار على وجه الخصوص, ومن عملية السلام بشكل عام. وبما يترجم الى اعادة تقويم الادوات الرسمية والقيادية والجماهيرية لتحصين اسوار الحماية الوطنية. وفي تجربة الصراع الطويلة مع اسرائيل فان قراراتها لا تواجه ابدا بالاتكال على المجتمع الدولي "فما حك ظُفْرك غيرَِ جلدك" فالمطلوب قرارات واجراءات يتضافر فيها السياسي والاعلامي مع استنفار الوعي الوطني في الشارع وعلى مجمل الساحة الوطنية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف