جريدة الجرائد

مسيحيين أولاً وأميركيين ثانياً

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

جهاد الخازن


قصة أميركية تستحق أن تروى مع خشيتي أن تضيع تفاصيل مهمة لأنني سأختصر بما تتسع له سطور الزاوية.

قرب بداية هذا الشهر نسبت لورا روزين في موقع "بوليتيكو" الإلكتروني الى مسؤول في إدارة أوباما كتمت اسمه قوله إن دنيس روس، أحد المسؤولين الأميركيين عن عملية السلام في الشرق الأوسط عبر أربع إدارات، "يبدو أكثر حساسية ازاء سياسات ائتلاف حكومة نتانياهو منه ازاء مصالح الولايات المتحدة".

طبعاً هذا صحيح ومتداول وقد كتبت عنه مرة بعد مرة ووصفت المسؤولين اليهود عن عملية السلام في إدارة كلينتون بأنهم حاخامات وزارة الخارجية، وكنت تحديداً أتحدث عن أربعة منهم هم: روس ومارتن انديك ودانيال كيرتزر وأرون ميلر. ورأيت الأخير خلال مؤتمر اقتصادي في الدار البيضاء، وكنت بصحبة الشيخ محمد المبارك، نائب رئيس وزراء البحرين وزير الخارجية في حينه، وهو احتج على صفة "الحاخامات" وقال إنني أهاجمهم بسبب دينهم، وقررت وقف استعمال الكلمة لأنني لم أقصد أي إهانة وإنما التركيز على الولاء لاسرائيل، ولأن الأربعة المعنيين بالوصف يختلفون أحدهم عن الآخر، فأكثرهم تأييداً لإسرائيل كانا روس وأنديك، وأكثرهم إنصافاً وعملاً للمصالح الأميركية كانا كيرتزر وميلر.

على كل حال، الخبر في "بوليتيكو" أثار اهتمام البروفسور ستيفن والت، مؤلف كتاب "لوبي اسرائيل" مع البروفسور جون ميرزهايمر، وبما يكفي ليعلق عليه في مجلة "فورين بوليسي" (سياسة خارجية).

والت قال إن التهمة أثارت شبح "الولاء المزدوج"، والذين ينتقدون روس اتهموه بازدواجية الولاء، في حين أن المدافعين عنه اتهموا متهميه بممارسة اللاسامية.

وهو أكمل قائلاً إن تهمة "الولاء المزدوج" لها ماضٍ سيئ، فقد ترددت في أوروبا القديمة أيام انتشار اللاسامية، إلا أنها أصبحت أخيراً تحمل تفسيراً تحليلياً ومحايداً أساسه المعروف عن الطبيعة البشرية وميلها الى تعدد الولاءات. وكانت مؤسسة "بيو" أجرت استطلاعاً بين المسيحيين في 13 بلداً سنة 2006 ووجدت أن 42 في المئة من الأميركيين المسيحيين يعتبرون أنفسهم "مسيحيين أولاً وأميركيين ثانياً". (هذا مثل ما نعرف من بلادنا حيث أكثر المواطنين يعتبر نفسه مسلماً أولاً ومصرياً أو سعودياً أو مغربياً ثانياً).

والت أشار الى كتاب "سياسات الشتات" من تأليف غابرييل شافر الذي ميّز بين الولاء الكامل والمزدوج والمقسوم، وتحدث عن حتمية أن نجد مبررات دينية أو تراثية أو شخصية في البوتقة التي انصهر فيها الأميركيون لمن له التزام قوي بدول أخرى، وأن يعمل أميركي من هؤلاء في منطقة لبلاده فيها مصالح أساسية.

والت اقترح بدل "الولاء المزدوج" أن تستعمل عبارة "تضارب المصالح" في وصف مثل هؤلاء الموظفين، وانتقد تحديداً أن يعمل موظفون في ايباك أو معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط حيث لهم ارتباط قوي ببلد واحد في المنطقة (اسرائيل).

الكلمات الأخيرة تحديداً أثارت غضب روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن، فردّ على والت معترضاً معارضاً ومدافعاً عن المعهد وأهدافه.

أقول عن نفسي إن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لوبي آخر لإسرائيل في الولايات المتحدة أسسه مارتن انديك بأموال يهود أميركيين يؤيدون اسرائيل، ويريدون "لوبي" أقل بروزاً من ايباك والجدل العالي الصوت حول موظفيه أصحاب الولاء الواحد، لا المزدوج، والذين اتهم بعضهم بالتجسس على بلدهم لإسرائيل. واعتراضي سببه أن "الولاء المزدوج" يوحي بتأييد بلدين، في حين يؤيد الليكوديون الأميركيون اسرائيل وحدها وعلى حساب "بلدهم".

ساتلوف نفسه يؤيد اسرائيل بوضوح، إلا أنه أفضل كثيراً من الآخرين الذين يدافع عنهم، فهو منصف في قضايا مهمة، وكتابه "الأبطال العرب للمحرقة" أبرز دور عرب شمال افريقيا في حماية اليهود بينهم، فلم يرسلوا الى أفران الغاز النازية، وكانت النتيجة أن واحداً في المئة فقط من يهود شمال افريقيا قتلوا في الحرب العالمية الثانية في مقابل 50 في المئة من يهود أوروبا.

هذه الميزة في ساتلوف نفسه لا تلغي أن معهد واشنطن يضم باحثين يعملون لإسرائيل وحدها، وسواء عمل واحد منهم 35 سنة في وكالة استخبارات الدفاع، أو آخر 30 سنة في وزارة الخارجية، فإن هذا وذاك والآخرين كانوا دائماً يقدمون مصالح اسرائيل ويثيرون عداء شعوب المنطقة للولايات المتحدة، وقد رأيت شخصياً كيف تحول تفضيلنا جميعاً حريات أميركا وديموقراطيتها ودفاعها عن حقوق الإنسان الى عداء بعد التزامها الكامل بدولة فاشستية محتلة تقتل النساء والأطفال.

غير أنني من فريق ضد فريق، وأكمل غداً برد والت على رد ساتلوف، فهو مفحم، ومن أستاذ جامعي أميركي بارز لا صحافي عربي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شيزوفرنيا عربية
بوحة الصباحي -

لا ادري متي يتخلص العرب من عقدهم النفسية واتهامهم للغير علي اساس ديني او عرقي