جريدة الجرائد

الأميركيون والصراع في الشرق الأوسط

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

شفيق ناظم الغبرا

التحدث للرأي العام الأميركي ليس متشابها هذه الأيام، نسبة إلى ما كان عليه الحال قبل عشرة أعوام، أو أقل. لقد مر الرأي العام في الولايات المتحدة بالكثير من المراحل في إطار العلاقة مع الشرق الأوسط والعالم العربي، وفي العلاقة مع الصراع العربي الإسرائيلي.

في البداية ومنذ السبعينيات، انتشر الشعور الواسع بين الأميركيين بأن إسرائيل محقة، والعرب على خطأ. فالعرب كانوا في الحرب الباردة حلفاء السوفييت، كما أكدت الدعاية المضادة لهم. أما إسرائيل، وفق الدعاية المنتشرة حينها، فكانت في تلك الحرب الحليف الإستراتيجي المميز للولايات المتحدة، والقوة التي تحمي الولايات المتحدة من السوفييت في الشرق الأوسط. وقد استمر الوضع لصالح إسرائيل في الساحة الأميركية، على رغم اهتزاز صورتها في بعض الأحيان بعد حروب كبرى من شاكلة حربها في لبنان واقتحام بيروت العام ١٩٨٢ ومجازر صبرا وشاتيلا العام ١٩٨٣ وقمعها للانتفاضة الفلسطينية وحملات الاغتيال طوال الثمانينيات والتسعينيات.

لقد بقي الرأي العام الأميركي يحمل ولاء عاما لإسرائيل انطلاقا من دعاية شائعة تجعل إسرائيل تظهر وكأنها دولة اليهود الناجين من مذابح هتلر في مواجهة عالم عربي يسعى لتدميرها وسحقها.

ولكن الأسوأ في العلاقة الأميركية العربية هو الحادي عشر من سبتمبر، حيث ارتفعت معدلات الكراهية بين الأميركيين للعالم العربي والإسلامي، بسبب ما حصل في مبنى التجارة الدولي. فبعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ خرجت الولايات المتحدة من مركزها منطلقة نحو العراق وأفغانستان تحت قيادة الرئيس السابق بوش. فجأة وجدت الولايات المتحدة أنها في مواجهة ساخنة مع الإسلام السياسي، بخاصة في تعبيراته العنيفة والأكثر تشددا. بعد الحادي عشر من سبتمبر انتقلت العلاقة الأميركية مع العرب والمسلمين إلى حالة الصدام المباشر والتدخل العسكري ضد قوى مسلحة هي القاعدة والطالبان ونظام صدام حسين وقوى إسلامية عديدة.

إن سرعة الانتصار الاميركي في أفغانستان، ثم في العراق، أكد المنطق الذي روجت له إسرائيل: العرب لا يعرفون إلا منطق القوة. لهذا فالطريق للحرب لم يثر الكثير من الأسئلة بين الأميركيين، فهو الطريق الأسهل كما شاع بين صناع القرار. إن أجواء واشنطن العاصمة في الأعوام ٢٠٠١-٢٠٠٣ كانت أجواء حسم عسكري وسياسي.

وبينما نجح الحسم العسكري الأميركي في البداية، إلا أنه لم ينجح في تحقيق نجاح سياسي، كما أن ردود الفعل العسكرية عادت هي الأخرى لتؤكد أن الحملة العسكرية الأميركية لم تنجح بل عانت من مشكلات الفشل والتردي والتورط. الطالبان عادت للقتال بجرأة في أفغانستان مستغلة الأخطاء الأميركية وفساد بعض الأطراف التي شكلت الحكومة الأفغانية الجديدة، والعراق انفجر قتالا وحربا بعد حل الجيش العراق وأجهزة الأمن العراقية، وإيران تحولت لقوة سياسية وعسكرية أساسية بفضل تدمير أهم منافسيها على حدودها، وحرب ٢٠٠٦ بين إسرائيل وحزب الله ثم حرب غزة في ٢٠٠٩ أكدت أن موازين جديدة مفتاحها في إيران قد بدأت في تأكيد وجودها. إسرائيل بدأت هي الأخرى تزيد من حملاتها لاضطهاد الفلسطينيين وتهجيرهم.

بعد ما يقارب التسع سنوات على الحادي عشر من سبتمبر تغير كل شيء، وأصبح العالم الذي تعيشه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عالما سرياليا مملوءاً بالتناقضات والحروب والخسائر المالية والبشرية والسياسية. وما إن وقع كل هذا حتى انفجرت الأزمة الاقتصادية الأميركية ثم العالمية مهددة الاقتصاد الأميركي والعالمي بالفشل. خسائر كبيرة أصابت الناس من كل مكان، أموال مدخرات لجيل كامل اختفت تحت أنقاض انهيار كبرى الشركات الأميركية. أصبح السؤال: إلى أين تسير الدولة الكبرى الأولى في العالم؟ هل تسير في ذات الطريق الذي سارت فيه من قبلها دول كبرى، وذلك من خلال تبديد مواردها في حروب واحتلالات؟

الأميركيون هذه الايام أكثر استعدادا للاستماع. التيار العام في الولايات المتحدة يخشى الحروب والمغامرات العسكرية. فعندما تعلن أمام جمهور أميركي كبير: "لا حل عسكريا في العراق، لا حل عسكريا في أفغانستان، لا حل عسكريا للصراع العربي الإسرائيلي ولا حل عسكريا للأزمة مع إيران، بل إن الحل الوحيد هو الحل العادل الذي ينطلق من حقوق الإنسان والمساواة بين الشعوب".. ينفجر الناس بالتصفيق والإشادة. لقد اكتفى الشعب الأميركي مغامرات عسكرية. كان في السابق في زمن الحرب الباردة مقتنعا بأن إسرائيل تقوم بدور أساسي في مواجهة السوفييت، بينما الولايات المتحدة لا تتدخل مباشرة في الشرق الأوسط. الآن اختلف كل شيء، فالولايات المتحدة تقاتل في كل مكان في الشرق الاوسط، بل إن الولايات المتحدة تقاتل العرب الآن نيابة عن إسرائيل، وهي قد تنجر لمواجهة مع إيران نيابة عن إسرائيل، ما سيعني مزيدا من التورط. فمن الذي يدافع عن من؟

ثمة فراغ كبير وتساؤلات كبرى في الولايات المتحدة تجاه إسرائيل واحتلالها وتجاه سياساتها وتجاه الدعم الأميركي المقدم لها. وبينما تحتاج الولايات المتحدة لمن يساعدها للخروج بشرف من الشرق الاوسط ولإعادة بناء اقتصادها، إلا أن اسرائيل قد تورطها بمغامرات كبيرة ومدمرة مع إيران ومع الشرق ومع العرب والفلسطينيين ومع المسلمين.

الأميركيون في طريقهم للتساؤل حول كل هذا: فهل ما تقوم به إسرائيل بالنسبة إليهم نعمة أم نقمة؟. فإسرائيل مكونة، اليوم في ظل حكومة نتنياهو، من مجموعة من المتعصبين المغامرين الساعين لجر دولة كبرى إلى حتفها ونهاية عالمها. أسئلة كبيرة تدور في الولايات المتحدة. لكن الفراغ هو سيد الموقف. العالم العربي لم يتوجه إلى الغرب، ولا إلى الرأي العام الأميركي، موضحا الرؤية والتوجه موضحا الحقوق والآفاق. الأسئلة تتكاثر في الولايات المتحدة، لكن عالمنا العربي يعيش سلبية الانتظار. بمعنى آخر، هذه الفرصة، وهذه الفراغات، لن تدوم كثيرا، ففي ظل السلبية العربية قد تنجح الحركة الصهيونية في إغلاق باب التساؤل واستعادة ما فقدته في السنوات القليلة الماضية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكرا
Mouloud -

أشكر الكاتب على هذه المقالة القيمة والواقعية

شكرا
Mouloud -

أشكر الكاتب على هذه المقالة القيمة والواقعية