المالكي ونشوة الانتصار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله اسكندر
قد يتعرض رئيس الوزراء العراقي زعيم حزب "الدعوة" وائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي الى إغراء نشوة النصر، بعد التمكن من فرض اعادة فرز اصوات المقترعين في بغداد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وبعد نجاح القوات العراقية والاميركية في تسديد ضربة "كاسحة" لتنظيم "القاعدة" في بلاد ما بين النهرين، وقتل القياديين الكبار فيه. هذا الإغراء كبير بالنسبة الى اي مسؤول، خصوصاً بالنسبة الى المالكي المعروف بقلة تواضعه ونزوعه الى التفرد، كما اظهرت كل التجارب خلال فترة حكومته.
ويشكل الوقوع في مثل هذا الإغراء، بعد تعثر كبير في تشكيل الحكومة الجديدة وصعوبات التوصل الى توافق على رئاسة الحكومة المقبلة وتركيبتها، تعقيداً اضافياً. لكن هذا التعقيد لا يتصل فقط بطبيعة التوازن بين الكتل البرلمانية، وانما يطاول احد الاسس الاساسية للمصالحة العراقية والعملية السياسية.
لا شك في ان توجيه ضربة قوية لـ "القاعدة" في العراق مكسب امني وسياسي للسلطة العراقية وايضاً للشعب العراقي. كما ان الوصول الى رأس التنظيم، في عمليات مشتركة مع الاميركيين، يتجاوز مجرد نجاح امني. ويظهر ان البيئة التي حمت التنظيم، وهي بيئة تضم غالبية سنية، تشهد تحولاً كبيراً في اتجاه نبذ العنف وفي اتجاه الانخراط في العملية السياسية، كما اظهرت كثافة مشاركتها في الاقتراع. وتالياً تتوقع هذه البيئة التي دفعت ثمناً امنياً غالياً للعمليات الارهابية التي نفذتها "القاعدة"، وثمناً سياسياً للاجتثاث، ان يُعاد اليها الاعتبار لكونها مكوناً اساسياً من مكونات الشعب العراقي، بكل آمالها وتطلعاتها.
واحتمال الخلط، كما حصل في السابق، في مثل عملية كهذه غاية في الدقة ستكون له آثار مدمرة على العملية السياسية. ولا يمنع هذا الخلط الا المالكي نفسه من خلال الانفتاح على المكونات التي عكست تطلعات هذه البيئة في الانتخابات. وكل سعي الى توظيف الانتصار على "القاعدة"، في لجم هذه التطلعات، سيعمق الخلط والتهديد بانزلاق الى تدهور امني جديد.
في موازاة ذلك، يجمع متابعو الوضع العراقي ان اعادة الفرز في بغداد لن تدخل تعديلاً جوهرياً على ميزان القوى البرلماني، وتالياً تسمية رئيس الحكومة وتركيبتها. فالمسألة تتعلق بمقعد او اثنين لهذا التكتل او ذاك. وقد يترتب على حصول "دولة القانون" على المركز الاول، نتيجة الفرز الجديد، وتالياً تسمية رئيس الوزراء، عبء اضافي على المالكي شخصياً، اذا لم يتمكن من تجاوز نشوة الانتصار.
معروف ان الفترة التي مرت على الانتخابات شهدت كل انواع المفاوضات والمناورات والاستئناس بالجوار من دون ان تؤدي الى اتفاق بين الكتل. وذلك نتيجة تجاهل معنى الانتخابات الاخيرة ومعنى انخراط البيئة السنية في العملية السياسية، وليس فقط الخلافات على المحاصصة داخل الكيانات وتمسك المالكي نفسه بتشكيل الحكومة استناداً الى تفسير لنص دستوري حول أحقية الكتلة التي ينبغي ان تسمي رئيس الوزراء. وفي حال جاءت نتائج الفرز لمصلحة "دولة القانون"، وباتت الكتلة الاكبر في البرلمان بدل "العراقية" بزعامة رئيس الحكومة السابق اياد علاوي، فإن المالكي سيكون اكثر تشبثاً برئاسة الحكومة. وفي مثل هذه الحال، قد لا يكون كافياً، للاستمرار في العملية السياسية بسلاسة، اعلان نية تمثيل سني في الحكومة العتيدة. وانما يقتضي الامر مشاركة فاعلة للسنة عبر ممثليهم في البرلمان، لا بل اغراء هؤلاء الممثلين بدور اكبر بكثير من ذلك الذي اعطي لهم في الحكومة السابقة. فهل يقتنع المالكي بأهمية هذه الخطوة في ظل نشوة الانتصار؟