قياس الفكر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
زينب غاصب
ربما نستطيع أن نقيس الماء أو الطعام أو حتى كومة من تراب، أو بناء، لكننا لا نستطيع أن نقيس الفكر، لأن الفكر عملية عقلية غير خاضعة لمعايير القياس أو التقويم، وبكل تأكيد نستطيع تقويم منهج ما من خلال الاختبارات والأسئلة، ولكن لا نستطيع تقويم العقل، لأنه متغير ومتقلب كالقلب تماماً، ومن هنا تنشأ العلاقة بين العاطفة والفكر، فالعشاق مثلاً تغيب عقولهم تحت تأثير القلب، لكن الفكر تحكمه النظرية، والتجربة، والبحث المكثف للوصول إلى الاكتشافات، والقوانين، وتلعب الفلسفة دورها في إنماء الفكر، ووضوحه، وغموضه، وسعته، وهذه تأتي عن طريق الثقافة التي يتغذى منها العقل، ومن خلال هذه الثقافة يتأثر الفكر انغلاقاً أو انفتاحاً.
ويتضح ذلك من خلال سلوك الفرد صاحب الفكر، فالفكر أولاً وأخيراً هو السلوك الذي يفرضه العقل، ومن هنا أيضاً يتضح الفرق بين العاقل والمجنون، والسفيه والمتزن، والسخيف والثقيل والخفيف، والصفيق، وما شابه ذلك من أنواع السلوك البشري، ولهذا يجب ألا نتجاهل الفائدة العقلية في الذكاء والغباء، والتحايل، والتستر، والاستفادة من المؤثرات التي يقدسها البشر ويحترمونها، وينجذبون إلى تأثيرها العاطفي أكثر من التأمل العقلي أو الفكري كالأديان مثلاً، هذه المقدمة ليست (لابن خلدون) ولكنها لشخصي المتواضع الباحث عن الفكر في مصابيح البحث والتجارب التي مرت عليَّ من خلال وظيفتي التربوية التعليمية، ومنها عرفت كيف يتحايل الفكر، ويتلاعب، وينتشر بكل حيطة وحذر، خصوصاً الفكر المراقب أو المحاصر في دائرة الحظر.
لا أريد أن أطيل بقدر ما أود أن أشير إلى أن الاختبارات التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم، أخيراً للمعلمين المستجدين لمعرفة توجهاتهم الفكرية المتشددة أو العكس غير مجدية تماماً، فمن المؤكد أن يلجأ صاحب الفكر المتشدد إلى المغالطة، والمحايلة فيكتب غير ما يعتقد، أو يفكر، بل ومن أهم أهدافه أن يظهر بصورة مغايرة للتمكن من الحصول على الوظيفة التربوية، ومن ثم إذا أصبح بين التلاميذ فلا مانع من كشف الفكر الحقيقي له، ومن ثم غرسه في العقول المتلقية والوسائل واضحة ومعروفة ومن أهمها سلاح الدين الذي أصبح سلعة رابحة للترويج للأفكار المتشددة والمتشنجة في آن واحد، والمسألة لا تحتاج إلى اختبارات قياسية سواء كانت تحريرية أو شفهية، بقدر ما تحتاج إلى الجهد من زيارات ميدانية مفاجئة، على المديرين قبل المعلمين، لأن المديرين سواء كانوا مديري مناطق أو مدارس لهم اليد الطولى في هذا الشأن، ومعظمهم هو الموجه الأول لسلوك المعلم، فإن كانوا من ذوي التوجهات المريبة فلن يدعوا معلماً يخالفهم وإن صمد فلن يسلم من دسائسهم ومكائدهم، خصوصاً إذا كان المدير محاطاً بمجموعة من المعلمين ذوي التوجه نفسه، فيلجأ للاستعانة بهم في تلفيق التهم، وشهادة الزور وهذه حقيقة ذهب ضحيتها بعض المعلمين قبل سنوات، ولم تشفع لهم وطنيتهم التي استعملت كتهمة ضدهم، ولم ينصفهم مديرو مناطقهم ومشرفوهم، فتشوا عن هذا الفكر في المدارس فسترونه على الجدران من خلال الوسائل التعليمية، وعن طريق الأنشطة غير المنهجية، وفي مناسبات الاحتفال باليوم الوطني، والامتناع عن الوقوف للسلام الوطني، وتضييع الحصص في المحاضرات الدينية، والترهيب بالموت وسوء الخاتمة من صباح العالمين عن طريق الإذاعة المدرسية، ولا تستثنوا المعلمات فبعضهن في هذا الفكر سواء، بل وفي مكاتب الإشراف عن طريق جداول وخطط النشاط المدرسي، وتهديد المخالفات بتهم العلمانية والليبرالية، وهن لا يعرفن حتى معنى هذه المفردات التي أصبحت كالعلك في أفواههن بمناسبة وغير مناسبة، وكما أسلفت، الفكر لا يقاس بقدر ما يترجم بالسلوك.