جريدة الجرائد

الواقع العربي‏..‏ وانعكاساته الفكرية والعروبية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمود شكري

عاصر أبناء جيلي مرحلة اختفت معالمها عن أعين أبناء الجيل الراهن وحتي الجيل الذي سبقهrlm;,rlm; وهي مرحلة تغيير أنظمة الحكم بانقلابات عسكريةrlm;
في عصر كان يتميز بخاصية ـ انعدمت كذلك في عصرنا الراهن ـ وهي مرحلة القطبية الثنائيةrlm;.rlm; ولا أريد أن أستطرد في التفنيدrlm;,rlm; ولكني سأضرب بعض الأمثلة التوضيحيةrlm;,rlm; التي تصلح للاستشهاد بهاrlm;,rlm; وليس القياس عليهاrlm;..rlm; فعلي سبيل المثالrlm;,rlm; عندما حدث الانقلاب العسكري في مصر في يوليوrlm;1952,rlm; تم تعيين علي باشا ماهرrlm;,rlm; لإعطاء إشارات للولايات المتحدة بأن النظام الجديد ينوي تقوية علاقاته مع الولايات المتحدة ـ وهي ذات الرسالة التي نقلها علي صبري مدير مخابرات سلاح الطيرانrlm;,rlm; إلي الملحق الجوي بالسفارة الأمريكية ـ وعندما التقي الرئيس جمال عبد الناصر مع جون فوستر دالاس في القاهرة عامrlm;1955,rlm; وطلب منه الأخير اشتراك مصر في حلف ضد الاتحاد السوفيتيrlm;,rlm; رفض جمال عبدالناصرrlm;,rlm; استنادا الي انه لا يفكر في خطر يبعد عن مصر خمسة آلاف ميلrlm;,rlm; ويتناسي الخطر الماثل علي بعد مائة ميل منه ـ ويقصد الاحتلال البريطانيrlm;..rlm; وتأتي المفارقة الكبري عندما يربط الرئيس جمال عبد الناصر عجلة مستقبل مصر الاستراتيجي بالاتحاد السوفييتيrlm;,rlm; بتوقيع صفقة التسليح معه عامrlm;1955rlm; ليتعدل الخط السياسي والاستراتيجي لمصر بصورة شاملةrlm;,rlm; ويفتح الباب أمام الاتحاد السوفيتي لدخول الوطن العربيrlm;,rlm; ويغير من شكل المنظومة الاقليمية ـ بعد تحول العراق والجزائر واليمن الجنوبي وسوريا ومصر إلي دول ترتبط بالمنظومة الاستراتيجية الشرقية ـ بالذات في التسليح والاقتصاد ـ مفاد ما سبق أن القطبية الثنائية كانت تعطي هامش المناورة لحكام الدول لاختيار المسار المناسب لبلدهمrlm;.rlm;
وعندما تولي الرئيس أنور الساداتrlm;,rlm; كان منحاه مختلفا تماما عن منحي الرئيس جمال عبد الناصرrlm;,rlm; فهو يري أن هدفه الوطني الأساسي هو رفع الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي المصريةrlm;,rlm; حتي لو أدي ذلك إلي تغيير منظومة مصر الاستراتيجيةrlm;,rlm; والتوجه نحو التعاون الشرق أوسطي الإقليمي ـ بمعني إدخال إسرائيل كطرف في هذه المعادلة ـ وقد عبر عن ذلك بكل جلاء في أول خطاب له في البرلمان في فبراير عامrlm;1971,rlm; وعرض الانسحاب الإسرائيلي إلي محور العريشrlm;/rlm; رأس محمدrlm;,rlm; وفتح قناة السويس للملاحةrlm;,rlm; وبدء محادثات هدفها تطبيع العلاقات بين البلدينrlm;.rlm; علاوة علي ما تقدم فقد تم فتح قنوات اتصال بين مسئولين مصريين وأمريكيينrlm;,rlm; ثم استتبعها بطرحه مبادرة السلامrlm;,rlm; وأعقبها بطرد الخبراء السوفيتrlm;,rlm; تمهيدا لحربrlm;1973,rlm; التي هدف من ورائها إلي تحريك الموقف لتحقيق السلام مع إسرائيل وتوقيع اتفاق السلام الذي أقر بالتطبيع الكامل بين مصر وإسرائيل والحديث عن التعاون الإقليمي مع إسرائيلrlm;.rlm;
وبعد هذا العرض المقتضبrlm;,rlm; الذي قصدت به أن أوضح تأثير السياسة الخارجية في عصر القطبية الثنائية علي مصر كقطب عربي للتدليل علي نوعية موازين الموقف الاستراتيجي الدولي آنذاكrlm;..rlm; أود أن أشير في عجالة لمرحلة القطب الأوحد ـ بعد تنحي الاتحاد السوفيتي عن دوره وهيمنته كقطب ثنائي عقب ثورة البيروسترويكا التي ابتدعها الرئيس ميخائيل جورباتشوفrlm;,rlm; لتتفسخ المنظومة الشيوعية ـ والذي انفردت بعدها الولايات المتحدة بحكم العالمrlm;,rlm; وأبطلت مفعول النظام الدوليrlm;,rlm; وعاشت في السلم والأمن الدولي عبر محاور خطط لها الأمريكيون لتحقيق الامبراطورية الأمريكية التي قدروا لها أن تستمر لقرن من الزمانrlm;,rlm; حتي جاء الحادي عشر من سبتمبر ـ في ظل حكم اضعف رئيس جمهورية أمريكي استوطن البيت الأبيض ـ وما اعقبه من دخول الولايات المتحدة في حرب الاشباح التي اطلقوا عليها الحرب علي الارهابrlm;,rlm; والدخول في مستنقع افغانستان والعراق ثم باكستانrlm;,rlm; ثم دخولها في حرب بنك ليمان الامريكيrlm;,rlm; والازمة المالية التي هزت اركان النظام الاقتصادي والمالي الأمريكي والعالميrlm;,rlm; ليتوقر في ضمير اي حاكم او مخطط امريكي ان عصر الامبراطورية الامريكية قد وليrlm;,rlm; وان البديل هو عصر التعاون الدولي الذي يمكن للولايات المتحدة ان تلعب فيه دورا مهماrlm;..rlm; ذلك العصر الذي نعيشه الآن والذي يمكن ان نطلق عليه عصر اللاقطبيةrlm;,rlm; الذي يتزعمه حاليا الرئيس باراك أوباماrlm;.rlm;
ويمكن أن نخرج بنتيجة محققة وهي ان تداعيات العصر الامبراطوري الامريكي قد انعكست علي الواقع العربي بصورة جذريةrlm;,rlm; فقد خلفت منظومة قيم تسود الدول العربية لا ترتبط بواقعها ولا ماضيها وتكوينها الاساسيrlm;,rlm; ويمكن ان نطلق عليها عصر الامركةrlm;..rlm; فالأوضاع السياسية والداخلية والاجتماعية في غالبية الدول العربية قد تفسخت اوضاعهاrlm;,rlm; وقصقصت اجنحتهاrlm;,rlm; وباتت تغرد ـ في الغالب ـ خارج السرب وبلكنة امريكيةrlm;,rlm; والثقافة العربية قد اقتصرت علي الاعلام الممول والمسلسلات المدعومة والسكايب والشاتينجrlm;chatingrlm; ـ بمعني الحديث عبر الانترنت ـ والقنوات الرياضية والبرامج الحوارية التي تشتت الفكر والضمائرrlm;,rlm; والأغاني الهابطةrlm;,rlm; والبرامج غير الثقافيةrlm;..rlm; وغابت عنا تماما القيم والاعراف والتقاليد العربية المتفق عليها والتي تربينا عليهاrlm;,rlm; ولم يتبق لنا من قيمنا سوي لغة عربية ركيكة موصولة بعبارات امريكية كدليل علي الرقي الاجتماعيrlm;.rlm;
أما عن الاوضاع السياسية العربيةrlm;,rlm; فقد تمزق النسيج العربي بالكاملrlm;,rlm; وبليت قماشتهrlm;,rlm; وصار من غير الممكن اعادة رتقه من جديدrlm;,rlm; فالعراق الذي كان يشكل رأس المنارة العربية قد قصقصت اقلاعهrlm;,rlm; وفلسطين التي كانت تمثل قضية العرب قد انفرط عقدها بين حماس وفتحrlm;,rlm; والجامعة العربية قد تحولت الي بنيان بلا سكان يرعونهrlm;,rlm; وقوة ومتانة الموقف العربي السياسي باتت تقرأ في منظومات شعرية وقرارات عنتريةrlm;,rlm; والساحة العربية قد اقتحمتها قوتان سوف تكونان رمانة الميزان في العصر القادم وهما تركيا وإيرانrlm;.rlm;
تبقي نقطة أساسية كانت تربط هذه الدولrlm;,rlm; وهي توجهاتها العربيةrlm;,rlm; وكانت مصر في كل مراحلهاrlm;,rlm; تشكل دفة التوجه بالنسبة لهذه المنظومةrlm;:rlm; فمصر هي منبع الفكر والثقافة والتعليم والريادة السياسية والاجتماعيةrlm;,rlm; مصر هي مصيف ومشتي الدول العربيةrlm;,rlm; أما عن العمل العربي المشتركrlm;,rlm; فكان يرتبط بصفة أساسية بالرئيس جمال عبد الناصر ـ حتي ممن عادوه من العرب ـ حتي فرضت القطيعة بين مصر والنظام العربي بعد اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيليةrlm;,rlm; ليتفسخ ـ وبحق العمل العربي المشتركrlm;.rlm;
والسؤال هوrlm;:rlm; هل يمكن لمصر ان تقود حركة الفكر العربي من جديد؟ فأنا لا أجد ـ وبحق ـ من يمكنه أن يحل محل دور مصر العروبيrlm;..rlm; وهل يمكن للقيادات والنخب المصرية الفكريةrlm;,rlm; أن تصوغ منظومة قيم عربية يمكن لمصر أن تروجها عربياrlm;,rlm; عبر المنتديات واللقاءات الشعبيةrlm;,rlm; وإيجاد صلة ربط بين النخب والمثقفين العرب بتحرك ومبادرة مصريةrlm;.rlm; ذلك أن الإعلام الممول قد أصبح هو نافذة القيم الوحيدة التي تهتز لها أركان العقل العربيrlm;,rlm; وآن الأوان لأن يستعيد الفكر المصري والثقافة المصرية دورهما حتي لا ينفلت عيار الموقف العربي وينتهي معني العروبة تماماrlm;.rlm;


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف