جريدة الجرائد

الاتجـار بإسرائيل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

علي بن طلال الجهني

لا تختلف صعوبات تحقيق قدر متصاعد من النمو في الدول العربية عنها في معظم دول العالم من النواحي الموضوعية. وكل الدول النامية تعاني من مشكلات الجهل ونسب متفاوتة من الأمية بكامل أشكالها، ونسب مختلفة من سوء مستوى الخدمات الطبية وشح الإسكان الصحي وغيره من مشتركات التخلف عن الدول الصناعية وما بعد الصناعية المتقدمة.

ففي الخمسينات من القرن الماضي، بل وحتى أواخر الستينات، كان نصيب بضع دول عربية من مؤشرات النمو المهمة كمستوى التعليم ومستوى معيشة عامة الناس، أفضل بكثير مما كانت عليه الحال في دول كالهند وتايلاند وكوريا الجنوبية وماليزيا.

وكما هو معروف في وقتنا الحاضر في عام 2010، فإن مستويات التنمية بكل أشكالها هي أعلى في تايلاند وكوريا الجنوبية وماليزيا منها في معظم الدول العربية إن لم يكن كلها.

أما الفيل الهندي الضخم الذي كان يغط في سبات عميق فإنه يمر الآن بصحوة تنموية متصاعدة، الى درجة أن المهندسين والمبرمجين الهنود في مجال الكومبيوتر وبقية أطراف اقتصاديات المعرفة قد يكونون الأفضل أو على الأقل من الأفضل مقارنة بنظرائهم في أميركا وكندا وشمال وغرب أوروبا. صحيح انه لا يزال مئات الملايين من الهنود فقراء معوزين، ومأساة الفقر في الهند قديمة قدم التاريخ، ولكن الهند شقت بداية الطريق واتضح لها أن هناك خيرات كثيرة تنتظرها، وسيؤدي الوصول إليها الى رفع مستوى معيشة الفقراء بخاصة وعموم المواطنين إجمالاً. وبمجرد أن يشمل التعليم في الهند معظم سكان الريف ستنتهي مشكلة الفقر في هذا البلد.

والقول بأن "التعليم" من أهم المحاور التي ترتكز إليها التنمية المستدامة، لا يعني أن أي تعليم يحقق الهدف. فما أكثر الذين قد لا يضر علمهم، ولكنه لا يضيف شيئاً، حتى من حاملي شهادات الدكتوراة ليس في العالم العربي فحسب وإنما أيضاً في الدول المتقدمة في بعض التخصصات النظرية.

إن التعليم الذي يؤدي الى النمو والتنمية المادية هو النوع من التعليم الموجود في الهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ. أي التعليم الذي يؤكد الرياضيات والعلوم وتعليم اللغات بما فيها اللغة الإلكترونية بالطريق الأمثل الذي يمكن المتعلم من مستوى أعلى للاستيعاب ومستوى أفضل لإيصال المعلومة الى الآخرين بطريقة تسهل عليهم فهمها.

إن وجود إسرائيل في قلب العالم العربي وتهجير الفلسطينيين ووضعهم في مخيمات أشبه ما تكون لـ "الغيتو" الذي وضع الأوروبيون اليهود فيه، لم يخلق التبريرات لكل من أتوا الى الحكم في العالم العربي من طريق الانقلابات فحسب، وإنما قد يكون السبب الأهم الذي عظم شأن المتاجرة بإسرائيل والمزايدة على الخصوم السياسيين في الداخل، ومن ثم كان من العوامل المساعدة على تخلف العالم العربي المادي والعلمي. تماماً كما تاجر العسكر في باكستان بقضية كشمير التي تحولت الى قميص عثمان باكستاني. أي أن وجود النزاع على منطقة كشمير، وبطرق غير مباشرة بالطبع، كان ولا يزال من العوامل المساعدة على تخلف مستوى التعليم العام في باكستان عنه في جارتها الهند.

إن من يأتي الى الحكم بطرق غير مشروعة كالانقلابات العسكرية لا يستطيع أن يستمر في الحكم من دون الاعتماد على الاستبداد والمزايدة على قضية وطنية كبرى. والأحزاب التي ترفع شعار الإسلام تزايد على تحرير فلسطين بالوسائل نفسها التي يوظفها بقية المتسلقين من الأحزاب "القومية" والانقلابيين. وحتى محمود احمدي نجاد صار من أبرع المتاجرين بمأساة الفلسطينيين.

لقد مرت دول كثيرة في أميركا اللاتينية بالانقلابات العسكرية. غير أن انقلابات الأميركيين اللاتينيين بخاصة في أهمها كالبرازيل والأرجنتين وتشيلي توقفت منذ بضعة عقود، ربما لأنه ليس في أميركا الجنوبية فلسطين أراد القادة "المظفرون" المتاجرة بها والمزايدة عليها. والآن تعتبر البرازيل والأرجنتين وتشيلي من أسرع الدول النامية نمواً وتقدماً.

إن إسرائيل لا تستمد قوتها فقط من تخلف العالم العربي، الذي صارت هي من أهم أسباب تخلفه بطريقة غير مباشرة، وإنما أيضاً من الكونغرس الأميركي بمجلسيه، الذي تسيطر عليه "ايباك" الى درجة أن قادته من كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري يتسابقون للمزايدة على دعمها.

وفي نهاية المطاف فإن وجود إسرائيل خلق التبريرات والأعذار للاستبداد باسم تحرير فلسطين، وخلق سوقاً مزدهرة دوماً للمزايدات تارة باسم العروبة وتارة باسم الإسلام. فوجودها حَقِيقَةٌ لا وهم، وبطرق شتى وغير مباشرة، هو من أهم أسباب تخلفنا عن غيرنا من الدول التي كانت بالأمس القريب مماثلة لنا.

والله من وراء القصد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف