سيناريوهات الأمل والرعب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ممدوح الشيخ
هل أصبحت البشرية أكثر اطمئنانا بشأن المستقبل أم أكثر جزعا؟
سؤال تفرضه موجة من التحديات والمخاطر المتلاحقة التي تحيط المستقبل بسحاب كثيف، وإذا استعرنا التعبير الشهير الذي صكه الروائي إميل حبيبي، فإننا نجد أنفسنا، بالتوازي مع التحديات والمخاطر أمام موجة من التقارير والسيناريوهات "المتشائلة"!.
فرغم ما تحقق منذ الحرب العالمية حتى الآن من وسائل الاستشراف وآليات التحكم في عوامل التغير المختلفة في الاقتصاد والديموغرافيا والطموح في السيطرة على الطبيعة، فإن المحصلة هي في الحقيقة مزيج فريد من الأمل والطموح والجزع والتشاؤم والقلق إزاء المستقبل.
ومع تصاعد القلق أصبحت التقارير الاستشرافية تحظى باهتمام أكبر، متشائمة كانت أو متفائلة، ومنذ تقرير نادي روما الشهير عن حدود النمو (1972) والجانب المظلم من التقدم يشغل البشرية أكثر من الجانب المضيء، ومن يحاول إحصاء موجات التحذير خلال السنوات القليلة الماضية يشعر أن البشرية تمر بحالة "انزعاج كوني"!
فالتغير الديموغرافي لم يعد يشغل العالم من زاوية التوازن بين الزيادة السكانية والضغط الذي يتوقع أن تحدثه في الطلب على الموارد الطبيعية وحسب، بل امتد القلق ليشمل التوازن في الهرم السكاني لكل دولة، والتغيرات الدرامية التي يتوقع أن تحدثها الزيادة الكبيرة التي بدأت تحدث فعليا بين المسنين ومن هم في سن العمل. وقد أصبحت الديموغرافيا أحد الأشباح التي تثير خوف المجتمعات الغربية الأكثر تقدما كونها فعليا الأكثر شيخوخة!
رئيس معهد الاقتصاد الألماني بكولونيا ميشائيل هوتر يراه موضوعا محوريا تم إهماله مؤخرا وسيتحتم الاهتمام به سريعا بشكل قوي، فالأمر لا يتعلق بزيادة المسنين بالعالم فحسب، والموضوع ليس جديدا إلا أنه سيتطور في السنوات القادمة ليصبح مشكلة. و"هذا هو التحدي الحقيقي الذي لا نعمل لمواجهته إلا القليل جدا، ما أعتبره تصرفا خطيرا"!.
ومن الديموغرافيا إلى المناخ تتأكد حقيقة أن البشرية مقبلة على حقبة تراجعت الموارد الطبيعية التي شكل الصراع عليها محركا من أهم محركات العلاقات الدولية لقرون خمسة، فقد أصبح "مستقبل المناخ" مؤثرا يتوقع أن يقلب هرم الاهتمامات جذريا. ويرى هوتر أنه إذا تم في وقت ما التغلب على الأزمة الاقتصادية، فإن السياسيين والاقتصاديين سيواجهون مشاكل أكبرها التغير المناخي الذي سيتمثل التحدي القادم.
والباحثون الذين عملوا بإشراف أحد علماء معهد ماكس بلانك لأبحاث الشمس شددوا على أن هذه النتائج الجديدة لا تعارض حقيقة أن الإنسان هو المتسبب في ظاهرة التغير المناخي. وكانت دراسة سابقة أعلن عنها مؤخرا توصلت إلى أن تأرجح نشاط الشمس لن يوقف التغير المناخي. الطريف أن هذه النتائج التي يفترض أن تكون "مفاجأة" وردت في تقرير للمخابرات الأميركية في منتصف السبعينات فتوقع تغير مناخ العالم في الربع الأول من هذا القرن لينتقل مناخ المنطقة المعتدلة ومركزها بريطانيا إلى شرق أفريقيا في منطقة مركزها السودان!!
في المقابل هناك سيناريوهات مفعمة بالأمل أحدها طرحه جيم أونيل، كبير الباحثين الاقتصاديين العالميين بمصرف غولدمان ساكس الأميركي الذي لم تنل الاتهامات الموجهة له في أميركا وأوروبا من مصداقية تنبؤات كبير باحثيه!
أونيل كان اخترع مصطلح "بريك"، الذي يجمع الحروف الأولى لأسماء أربع دول نامية صاعدة، هي البرازيل وروسيا والهند والصين، التي يعتقد أنها ستقود النمو الاقتصادي العالمي. والجديد أنه وسع نظريته الاستشرافية متوقعا أن تلعب 11 دولة الدور الأبرز في النمو العالمي المقبل. والنظرية الجديدة تحمل اسم "الدول الـ 11 المقبلة"، وهي: إيران، مصر، تركيا، المكسيك، نيجيريا، باكستان، بنغلاديش، إندونيسيا، فييتنام، كوريا الجنوبية، والفلبين.
والمثير أن تركيا ومصر حازتا اهتمام أونيل بسبب كثافتهما السكانية ما يعني أن الديموغرافيا تتقدم بقوة لتحتل مكانا ضمن عوامل التقدم الاقتصادي بوصفها "ميزة" بعد أن ظلت لفترة طويلة تعتبر "عبئا".
وفي السياق نفسه يأتي تنبؤ رئيس البنك الدولي روبرت زوليك: بـ "نهاية العالم الثالث"، فالأزمة المالية العالمية برأيه أدت لزوال الأنماط التي سادت الاقتصاد العالمي لوقت طويل، وبموجبها ينقسم العالم بشكل تراتبي إلى عوالم: أول وثانٍ وثالث.
وقد ترجمت هذه المتغيرات رقميا، فأسواق الأسهم الآسيوية أصبحت تمثل 32 % من أسواق المال العالمية، متفوقة بذلك علي أميركا والإتحاد الأوروبي. والعالم النامي رفع نصيبه من الناتج الإجمالي العالمي للفرد من 33,7 % في 1980 إلي 43,4 % الآن. وقد مد زوليك الخط على استقامته متوقعا ميلاد "جيوسياسات جديدة واقتصاد متعدد الأقطاب حيث يُمثل الجميع تمثيلا منصفا، لا عبر "نوادي أقلية".
فهناك الآن اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب سريع التطور، تتحول فيه بلدان نامية لقوى اقتصادية وتتحول أخرى لـ "أقطاب نمو"، والمحصلة حسب زوليك أن الشمال والجنوب والشرق والغرب أصبحوا "نقاطا على الخريطة". وبعد عقود من النقاش بين باحثي الأمن والسياسة الدولية حول نشأة نظام متعدد الأقطاب، حان الوقت الآن للإقرار بـ "أفق اقتصادي جديد". وبالتالي على "الكبار" الحذر من فرض "هكيلة هرمية غير مرنة على العالم".
فهل المحصلة النهائية لهذه السيناريوهات المتقاطعة والتنبؤات المتكاثرة كالفطر، أن البشرية يجب أن تتشاءم أم أن تتفاءل؟.