الجابري في الفكر العربي المعاصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رضوان السيد
عرفنا الأستاذ الجابري - رحمه الله - في المشرق من خلال الكتاب الذي نشره في دار "الطليعة" أواخر السبعينات من القرن الماضي، بعنوان: "نحن والتراث". وقد تضمن الكتاب فكرا جديدا بارزا في تأمل التراث الفلسفي العربي بين المشرق والمغرب، كما تضمن تصوراته عن ترتيبات ذلك الفكر ومصادره وعلائقه المتشابكة بها، والتمايز بين المشرق والمغرب في المجال الحضاري الإسلامي. ثم أقبل الأستاذ الجابري على مدى الثلاثين عاما الماضية على كتابة تاريخ ثقافي للفكر العربي والإسلامي في عشرات الكتب التي نشرها بمركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، مثل "بنية العقل العربي"، و"تكوين العقل العربي"، و"العقل السياسي العربي"، و"العقل الأخلاقي العربي". وخلال ذلك نشر عشرات الدراسات في نقد الخطاب العربي الحديث والمعاصر، ومعالجة شتى الإشكاليات والانشغالات للحداثة والمعاصرة العربية. وقد اهتم خلال السنوات القليلة الماضية بتفسير القرآن، كما نشر دراسة فيما صار يعرف بعلوم القرآن أو "مقدمة لقراءة القرآن وفهمه". وهكذا فإنه إلى جانب الدكتور حسن حنفي، والأستاذ محمد أركون، ما تابع أحد متابعته ودأبه في مجال دراسة الفكر العربي والإسلامي ونقده وتجديده قديما وحديثا.
يمتلك الأستاذ الجابري للكلاسيكية والحداثة معا رؤية محددة تقول باقتران العلمية والعقلانية معا في التفكير الأرسطي الإغريقي. واستنادا إلى تلك الرؤية قسم الفكر الإسلامي الكلاسيكي من حيث الرؤى والمناهج إلى ثلاثة تيارات كبرى: البيان والعرفان والبرهان. وقد فصّل ذلك في سائر كتبه، فرأى غلبة المنهج البياني لدى المشارقة، دون أن يهمل الاختراقات التي قال إن العرفان حققها في ذلك المجال. ثم رأى أن الفكر المغربي والأندلسي يتميز بوجود تيار برهاني كبير تأسس في المشرق على يد الفارابي، لكنه ساد في المغارب، فيما بين ابن رشد وابن حزم والشاطبي وآخرين كثيرين. وتابع أن تلك البرهانية العقلانية ذات الأصل الأرسطي الإغريقي، أنجز المغاربة والأندلسيون تطويرات كبيرة فيها، ثم انتقلت من عندهم إلى أوروبا فوقعت في أصل النهوض الأوروبي. وقد تعرضت رؤية الجابري هذه لنقد قوي من جانب الكثير من الدارسين، لكنه ما تراجع عنها، كما لم يستطع أحد مجاراته في إنجاز تصور آخر لنشوء الفكر العربي الإسلامي وتطوراته في المرحلة الكلاسيكية.
على أن الأستاذ الجابري الذي برز بروزا شامخا في مشروعه السالف الذكر، ما اقتصر عليه كما قدمنا، بل انصرف أيضا لنقد الخطابات العربية الحديثة والمعاصرة، وأفضى من النقد إلى التوفيق في مجال إشكاليات الفكر العربي، والانشغالات التي أدخلتها الإحيائية الإسلامية عليه. وبذلك فقد جمع بين أمرين اثنين في هذا المجال: نقد الخطاب، وطرح البدائل التي اعتبرها توفيقية أحيانا، وواقعية أحيانا أخرى. ومن ذلك مسائل الحداثة، وعلائق الشريعة بالدولة في الخطاب الإسلامي، وقضايا الوطنية والقومية، والعلاقة بالغرب المعرفي والآيديولوجي والسياسي والاقتصادي.
وقد أفدت كثيرا من مقولات الأستاذ الجابري وأطروحاته. مع أنني كنت، وما زلت، معارضا لأطروحته الثلاثية بين البرهان والعرفان والبيان، لأنها لا تتفق والرصد الواقعي والتاريخي لمناهج النظر الإسلامي والعلوم الإسلامية، كما أنه قلما تخلو كتابات حتى أخلص الأرسطيين من نزعات عرفانية وغنوصية قوية. ثم إن الطهورية البرهانية المغاربية غير متحققة بالمعنى الذي قصده الراحل الجابري.
إن المجال هنا ليس مجال الرد أو النقد، وإنما مجال التقدير لعمل المفكر العربي الكبير وآثاره وتأثيراته. وهي تأثيرات بالغة القوة والاتساع بين شباب الباحثين وكهولهم. بيد أن ذلك لا يمنع من القول إن تأويلاته للقرآن الكريم، ودراسته التقديمية الفاهمة له، كلتيهما غير ملائمة في نظري. والمشكلة مع الأستاذ الجابري في هذا المجال، أنه اقتصر في معارفه التراثية عن القرآن على كتاب السيوطي: "الإتقان في علوم القرآن"، كما أنه لا يهتم كثيرا بدراسات الدارسين الغربيين، والعرب والمسلمين، والقضايا التي أثيرت، وما يقتضيه ذلك من إجابات أو استجابات.
والأستاذ الجابري ماركسي قومي في الأصل. وكان قياديا في الاتحاد الاشتراكي ثم ترك العمل الحزبي وتفرغ للدراسة والتدريس منذ ثلاثين عاما. ورغم أن النزوع الآيديولوجي لا يزال يظهر لديه أحيانا؛ فإن الغالب على طرائقه في الكتابة الميل للتصنيف والتقسيم المتراكم بحيث تبدو البنى لديه منطقية مؤكَّدة لا تخالطها النزعات الآيديولوجية المفروضة من خارج.
والأستاذ الجابري - كما عرفته - ساهمٌ ومحايد في شخصيته الخارجية، لكنك عندما تجلس إليه وتتبسط في الحديث، ينفتح على طيبة غير متناهية، واستعداد للشرح والتفصيل والتسويغ والتودد، يقف المرء أمامها جميعا حسيرا وراضيا في الوقت نفسه. لقد أنجز الجابري كتابة مشروعه منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي، لكنه لا يزال يعود إلى بعض أجزائه بالمراجعة والإصلاح. وهو شأن علمائنا الكلاسيكيين الكبار، أراد أن يختم حياته الفكرية بتفسير القرآن، فأسال الله سبحانه أن يجزيه خير الجزاء على هذا العيش مع القرآن خلال العقد المنصرم. رحم الله محمد عابد الجابري.
التعليقات
الجابري اخر العمال
معتصم السدمي -بوفاة هذاالعملاق في عالمالفكر والنقد العقلي تكون الساحة الثفافية فقدت احد اهم قطب العقلانية والفكر الفلسفي التحليلي ,وبإستثناء محمد راكون ومع الإحترام للدكتور حسن حنفي ووربما هاشم صالح إلا أن علو كعبي الجابري وراكون في المدرسة العقلانية في ا لفكر العربي.رحمة الله علي الجابري وأسكنه فسيح جناته ولا عزاء للعقول .
الجابري اخر العمال
معتصم السدمي -بوفاة هذاالعملاق في عالمالفكر والنقد العقلي تكون الساحة الثفافية فقدت احد اهم قطب العقلانية والفكر الفلسفي التحليلي ,وبإستثناء محمد راكون ومع الإحترام للدكتور حسن حنفي ووربما هاشم صالح إلا أن علو كعبي الجابري وراكون في المدرسة العقلانية في ا لفكر العربي.رحمة الله علي الجابري وأسكنه فسيح جناته ولا عزاء للعقول .
مفكرين؟!!
أبوناصر -يقول الكاتب: ;فأسال الله سبحانه أن يجزيه خير الجزاء على هذا العيش مع القرآن خلال العقد المنصرم;!..والله للجابري ولا السيد مفكرين بالمعنى الحقيقي والحديث للكلمة وعبارة السيد تلك تختصر الماسأة!..فانتم تدورون في حلقة مفرغة وتعيسة تقوم على إعادة إنتاج الوهم والخرافة،فمن أين لنا التقدم إذا كان هذا هو حال المفكرين الكبار والمثقفين؟!
مفكرين؟!!
أبوناصر -يقول الكاتب: ;فأسال الله سبحانه أن يجزيه خير الجزاء على هذا العيش مع القرآن خلال العقد المنصرم;!..والله للجابري ولا السيد مفكرين بالمعنى الحقيقي والحديث للكلمة وعبارة السيد تلك تختصر الماسأة!..فانتم تدورون في حلقة مفرغة وتعيسة تقوم على إعادة إنتاج الوهم والخرافة،فمن أين لنا التقدم إذا كان هذا هو حال المفكرين الكبار والمثقفين؟!
شهيد العلم
أبو علي -رحم الله الفقيد ، لقد أثرى الفكر العروبي الإسلامي بأفكاره النيرة وبجرأته الفكرية والسياسية وبمواقفه الوطنية والشريفة ومناهضته للاحتلال الأميركي الاجرامي للعراق
شهيد العلم
أبو علي -رحم الله الفقيد ، لقد أثرى الفكر العروبي الإسلامي بأفكاره النيرة وبجرأته الفكرية والسياسية وبمواقفه الوطنية والشريفة ومناهضته للاحتلال الأميركي الاجرامي للعراق