جريدة الجرائد

أميركا والعقوبات على سورية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله اسكندر


لا مفاجأة في تمديد الإدارة الأميركية العقوبات على سورية سنة جديدة. لا بل كانت المفاجأة لو ألغى الرئيس باراك أوباما هذه العقوبات. وإذ تضمن بيان البيت الأبيض ملاحظة تتعلق بتحسن السجل السوري في العراق، فإنه استعاد كل الحملة الأميركية التي بدأت قبل اسابيع في شأن تهريب الأسلحة الى "حزب الله" في لبنان.

وهذا يعني ان المواجهة الأميركية - السورية في لبنان باتت تعني، بالنسبة الى البيت الأبيض، مواجهة تتعلق بالأمن القومي الأميركي. خصوصاً بعدما استعاد "حزب الله" النفوذ الحاسم في الوضع الداخلي اللبناني، والانتقال الى مطاردة ما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة مع لبنان الرسمي، واتفاقات التعاون التي عقدتها الحكومة السابقة برئاسة فؤاد السنيورة مع واشنطن.

وإذا كان هذا الأمر لا يبشر بالخير بالنسبة الى الاستقرار السياسي، وربما الأمني لاحقاً، في لبنان، فإنه في الوقت نفسه يؤشر الى استعادة سورية كثيراً من نفوذها الذي أصيب بانتكاسة منذ 2005، عقب انسحابها العسكري من بلاد الأرز. وهي استعادة تتوسع مع الضغط لفرض انسحاب اميركي، وتقليص لحركة لبنان الرسمي، وتمدد لنفوذ "حزب الله" الذي تعتبره الولايات المتحدة رأس حربة لإيران التي تخوض معها معركة قاسية على امتداد المنطقة.

وفي هذا المعنى، ترى واشنطن ان الدعم السوري لـ"حزب الله" يقع في دائرة التعرض لنفوذها ومصالحها السياسية في لبنان، وأن استمرار هذا الدعم تهديد للمصالح الأميركية في المنطقة. والتبريرات لتمديد العقوبات، بغض النظر عن حقيقة الأسلحة الصاروخية وتأثيراتها في ميزان القوى العسكري، تشير الى ان النفوذ السياسي السوري في لبنان يكون سلبياً، من وجهة نظر واشنطن، عندما يغلب موقف "حزب الله" في القضايا الداخلية اللبنانية. وظهرت هذه السلبية في سلسلة التطورات الداخلية، من ازمة انتخاب رئيس الجمهورية الى الانتخابات النيابية الى تشكيل الحكومة الحالية، وصولاً الى استهداف الاتفاقات اللبنانية - الأميركية.

وقد يكون تصعيد الحملة الأميركية الحالية على سورية، بعد التحسن الملموس في الاتصالات بين الجانبين والتوجه الى ايفاد سفير اميركي الى دمشق، جاء بعد استخلاص ان سياسة الانخراط لم تؤثر في تغيير السلوك السوري لجهة ضبط مواقف "حزب الله" على ايقاع السياسة الأميركية. ومن الخلاصات المهمة في هذا الإطار ان الصوت اللبناني في مجلس الأمن، عندما يطرح قرار العقوبات على ايران في شأن ملفها النووي، يتأثر بالنفوذ السياسي الداخلي لـ"حزب الله" وليس بالمطالب الأميركية لدعم هذه العقوبات.

القضية الأخرى التي تراهن عليها الإدارة الأميركية حالياً في المنطقة، وتعني سورية مباشرة، تتعلق بمعاودة اطلاق المفاوضات على المسار الفلسطيني. وفي ظل الجهود التي تبذلها واشنطن لإقناع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بمعاودة التفاوض، وإن على نحو غير مباشر في مرحلة اولى، تقف دمشق في موقع متعارض مع هذه الجهود. ويمكن استخلاص مدى الانزعاج الأميركي من العرقلة السورية من تكرار التزام واشنطن بتحقيق تقدم في هذا الملف. وبالتأكيد لم يرق للولايات المتحدة التحفظ السوري الأخير، في الاجتماع الوزاري العربي قبل ايام في القاهرة، عن تفويض الجانب الفلسطيني لدخول المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل. وهي المفاوضات التي سعت الإدارة الأميركية على كل مستوياتها الى تسويقها لدى العرب. لا بل تعتبر واشنطن، كما كررت في كثير من المناسبات، ان معاودة هذه المفاوضات تصب في صلب مصالحها القومية.

في هذا الإطار، تصبح قضية الصواريخ لـ"حزب الله" المبرر العلني لإعلان الامتعاض الأميركي من مجمل السلوك السوري، ورسالة مفادها ان الانضباط الذي لاحظته واشنطن في ملف العراق ليس كافياً، وأن على دمشق ان تظهر انضباطاً مماثلاً في لبنان ومسار التفاوض الفلسطيني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف