"صراع الديكة" في بغداد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بغداد - زيدان الربيعي
شهد الأسبوعان الماضيان تداعيات خطيرة على الوضع السياسي في العراق، تمثلت بقرار المحكمة التمييزية الخاص بإعادة عمليات العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في السابع من شهر مارس/آذار الماضي، وكذلك مطالبة ldquo;الكتلة العراقيةrdquo; التي يتزعمها رئيس الحكومة العراقية الأسبق إياد علاوي الجامعة العربية والأمم المتحدة وجهات دولية أخرى بالتدخل لمنع ما اسمته التلاعب بنتائج الانتخابات ومصادرة رأي الشعب العراقي . ولم تكتف ldquo;العراقيةrdquo; بهذه الدعوة فقط، بل دعت إلى إعادة الانتخابات تحت إشراف حكومة مؤقتة . في وقت اعتبر زعيم ldquo;ائتلاف دولة القانونrdquo; نوري المالكي هذه المطالبة بمثابة انتهاك خطير للسيادة العراقية، داعياً الجميع وفي المقدمة منهم الجامعة العربية إلى تعضيد ومساندة القوانين العراقية وليس التدخل فيها . مؤكداً إصراره على حماية الانتخابات من أية محاولات لتزويرها . وهكذا يبدو العراق كأنه أمام مشهد ldquo;صراع ديكةrdquo; حامي الوطيس بين المالكي وعلاوي، لم تحسم نتائجه بعد، وإذا كان الدم لم يظهر عليهما، إلا أن الدم الغزير الذي سال في شوارع العراق شاهد على ضراوة الصراع .
هذه التداعيات منحت فسحة من الزمن للكتل والائتلافات الفائزة في الانتخابات كي تراجع بدقة متناهية صورة خريطة التحالفات المستقبلية التي في ضوئها سيتم اختيار الرئاسات الثلاث من قبل البرلمان العراقي الجديد .
وكان من أبرز المستجدات إعلان التحالف بين ائتلافي ldquo;دولة القانونrdquo; بزعامة المالكي وrdquo;الوطنيrdquo; بزعامة عمار الحكيم لتشكيل الحكومة المقبلة .
هذه الفسحة ربما تسهم في حصول تهديد حقيقي للعملية الانتخابية برمتها نتيجة لوجود شعور قوي من لدى بعض الكتل الفائزة بأنها مستهدفة في عملية إعادة العد والفرز اليدوي، وأن نتائج هذه العملية ستؤدي إلى سحب بعض المقاعد منها لصالح منافسيها ومثل هذا الأمر سيجعل الأمر أشبه بالعملية الانقلابية على إرادة الناخبين العراقيين . في حين ترى جهات أخرى أن القرار القضائي هو قرار ملزم ولابد من الإذعان له مهما كانت نتائجه . وفي الوقت الذي كانت عملية إعادة العد والفرز تمثل الشغل الشاغل لكل السياسيين العراقيين، وكذلك لعموم العراقيين، ظهرت مشكلة جديدة في الشارع العراقي وهذه المشكلة تمثلت بإصدار محكمة الانتخابات قراراً جديداً بإبعاد 52 مرشحاً من الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة، بينهم بعض الفائزين من مجمل العملية الانتخابية بسبب انتمائهم إلى حزب البعث العراقي المنحل استناداً إلى قرار هيئة المسائلة والعدالة، ومثل هذا القرار ستكون أبعاده خطيرة جداً، لأنه سيؤثر في القاسم الانتخابي، وبالتالي سيؤدي إلى تغيير نتائج الانتخابات . بينما حذرت جهات من أن التأخير في عملية العد والفرز سيؤدي إلى حصول فراغ أمني وسياسي كبير جداً في البلد، وربما يتم استغلال هذا الفراغ من قبل بعض الجهات لكي تقوم بعمليات كبيرة تستهدف المواطنين مثلما حصل يوم الجمعة قبل الماضي، عندما تم استهداف الكثير من المساجد والحسينيات في العاصمة بغداد ما أدى إلى سقوط الكثير من القتلى والجرحى كان أغلبهم من المصلين العزل وبعض العناصر الأمنية .
لقاء علاوي - المالكي هل يلغى؟
في الوقت الذي انشغل الشارع العراقي بالأخبار المتواترة عن قرب حصول لقاء محتمل بين زعيم الكتلة العراقية إياد علاوي وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، من أجل ترطيب الأجواء بين الجانبين ومن ثم التمهيد لحوار واسع جداً بينهما يهدف إلى وضع برنامج سياسي متكامل لصورة الحكومة العراقية المقبلة، جاء قرار المحكمة الخاص بإعادة العد والفرز اليدوي في العاصمة بغداد ليسهم في وضع بعض العراقيل والمخاوف أمام هذا اللقاء المرتقب . فضلاً عن ذلك أدت مطالبة علاوي وكتلته المجتمع الدولي بالتدخل في حماية نتائج الانتخابات العراقية إلى احتمالات ألا يحصل مثل هذا اللقاء على الإطلاق .
فرغم أن علاوي أبدى قبوله بقرار المحكمة المذكور، ألا أنه دعا إلى أن تكون هناك آليات واضحة ومحددة من أجل أن تقوم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بهذه العملية من دون أن تتعرض إلى ضغوط وممارسات تسهم في أن تكون العملية غير شفافة . حيث يخشى علاوي أن تحصل عمليات تزوير في عملية العد والفرز اليدوي تؤثر تأثيراً كبيراً في عدد مقاعده التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة والتي بلغت 91 مقعداً . ولو حصل أن أدت عملية الفرز والعد اليدوي بسحب مقعد أو مقعدين من مقاعده المعلنة فإنه سيفقد الميزة الدستورية التي تؤهله إلى تشكيل الحكومة وتذهب هذه الميزة إلى ائتلاف دولة القانون الذي يؤكد قادته أن هناك أدلة ldquo;جرميةrdquo; تؤكد حصول عمليات تزوير، وأن هذه الأدلة ستغير من نتائج الانتخابات لصالح ائتلافهم .
لكن لا يزال البعض يرى أن هذه العراقيل والاحتمالات يمكن إذابتها بين علاوي والمالكي لو فكر الرجلان في ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقيهما في هذه المرحلة الحساسة جدا من تاريخ العراق . فهما فازا كقائدين للشعب العراقي وأن هذا الفوز يتطلب منهما تقديم تنازلات إلى بعضهما بعضاً، بشرط أن تكون هذه التنازلات خاضعة إلى برنامج وطني حقيقي يخدم أبناء الشعب العراقي في السنوات المقبلة . ولو قاما بتقديم هذه التنازلات فإنهما سيكونان أنموذجاً سيتمسك به العراقيون في السنوات المقبلة . على اعتبار أن العراقيين يثقون كثيراً بهذين الرجلين ولولا ثقتهما لما حصلا على أكبر عدد من المقاعد . والشيء الجميل أن كل واحد منهما بات يمثل منطقة جغرافية من العراق، رغم أن اتساع الرقعة الجغرافية لعلاوي على عموم العراق بدت أكثر من المالكي . لكن هذا المؤشر لن يكون عائقا بينهما .
لذلك فإن الشارع العراقي كان طيلة الأيام الماضية ينتظر بشغف لقاء علاوي والمالكي، لأنه يشعر بأن هذا اللقاء يمكن أن يقود البلد إلى وضع أفضل ويخلصه من أزمة سياسية منتظرة . لكن يبدو أن التداعيات الأخيرة ربما أجهضت هذا اللقاء قبل أن يتم . لأنه لو تم وضع آليات مناسبة لبرنامج اللقاء المرتقب لحصل اللقاء منذ مدة، لأن المسافة بين مقر علاوي ومقر المالكي في العاصمة بغداد لا تتجاوز الثلاثة آلاف متر على ابعد تقدير . لكن يبدو أن الهوة بينهما واسعة، لذلك تأخر اللقاء وربما لن يحصل في ضوء المستجدات الأخيرة . حيث بدأ المالكي يصعد من خطابه ضد دعوة علاوي لتدخل الأمم المتحدة واصفاً هذه الدعوة بأنها لا تتماشى مع حفظ سيادة واستقلال العراق .
ولو افترضنا جدلاً أنه حصل لقاء علاوي - المالكي فإن مسألة التحالفات المقبلة ستكون يسيرة جداً، وهذا الأمر سينعكس إيجابياً على مسألة تشكيل الحكومة العراقية المقبلة . لكن إذا لم يحصل مثل هذا اللقاء فإن الأمور ستتعقد كثيراً وتتجه نحو أزمة سياسية كبيرة وربما ينعقد البرلمان الجديد من دون حصول اتفاقات أولية، ولو حصل هذا الأمر فإن الكثير من الكتل ستتفتت، لأن هناك الكثير من أعضاء البرلمان الجدد متعطشون لممارسة عملهم البرلماني وتلبية طموحات ناخبيهم .
مخاوف كردية
بعد أن بدأ الجميع يتحدث عن اللقاء المرتقب بين علاوي والمالكي أبدى بعض القادة الأكراد مخاوفهم من احتمالات التحالف بين كتلة العراقية وائتلاف دولة القانون، لأن مثل هذا التحالف سيسحب الكثير من المنجزات التي حققها الأكراد في السنوات الماضية . كما أن اتفاق علاوي - المالكي ربما يؤدي إلى صفقة جديدة تجعل الأكراد يتنازلون عن منصب رئيس الجمهورية في الدورة المقبلة ويذهبون باتجاه رئاسة البرلمان ومثل هذا الأمر لا يحبذه الأكراد، لأن منصب رئيس الجمهورية يعتبرونه الضمانة التامة لهم في حالة عدم قدرتهم على إجهاض بعض القوانين التي لا تقنعهم داخل أروقة البرلمان المقبل . كون ldquo;الفيتوrdquo; الذي يتميز به رئيس الجمهورية المقبل يكون معطلا لكل قانون أو قضية لا يوافق عليه . لذلك وجد الأكراد في قضية تقارب علاوي - المالكي بمثابة ضربة غير متوقعة لهم ولطموحاتهم .
تأييد ائتلافي واستبعاد صدري
لكن بالمقابل رحب القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى الذي يقود الائتلاف الوطني العراقي ونائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي باللقاء المرتقب بين علاوي - المالكي ووصفه بأنه خطوة بالاتجاه الصحيح من أجل تعزيز مسار العملية السياسية والإسراع في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة . داعياً في الوقت نفسه إلى إشراك جميع الكتل الفائزة في الانتخابات الأخيرة في الحكومة العراقية المنتظرة . لكن التيار الصدري وجد في مسألة اللقاء بين علاوي والمالكي أمراً جيداً إلا أنه عد مسألة تحالفهما بالأمر المستحيل بسبب الخلافات العميقة بين الائتلافين في الكثير من القضايا الجوهرية .
متغيرات جديدة
وجدت الكتلة العراقية أن القرارين الأخيرين سواء الذي يتعلق بإعادة عملية العد والفرز اليدوي أو إبعاد أصوات المرشحين ال52 يمثل استهدافاً حقيقياً لها . لذلك حاولت أن تجد وعبر كل الطرق القانونية ما يؤدي إلى التزام الجميع بمبادئ العملية الديمقراطية والابتعاد عن عمليات الإقصاء والتهميش وتجيير القوانين لحساب طرف وضد طرف آخر . لذلك فإن الكتلة ldquo;العراقيةrdquo; وزعماءها حاولوا استغلال علاقاتهم الخارجية مع الدول الأخرى لإجهاض أي تغيير يحصل في عملية العد والفرز . لكن هذه المحاولة جاءت بنتائج سلبية جداً تمثلت بحصول تحالف بين الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون من أجل تشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان المقبل ومثل هذا التحالف سيفشل كل محاولات ldquo;العراقيةrdquo; الرامية للظفر بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة .
ولم تكن دعوة ldquo;العراقيةrdquo; فقط هي التي حفزت الائتلافين للتقارب من جديد بعد أن وصلا في وقت سابق إلى طريق مسدود في مسألة التحالف بينهما، بل إن انعقاد مؤتمر حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي ldquo;المنحلrdquo; العلني الأول بعد الاحتلال في دمشق أسهم هو الآخر في تقريب وجهات النظر، لأن الائتلافين ورغم خلافاتهما وابتعادهما حد اللا التقاء في بعض النقاط، إلا أنهما لا يتناقشان مطلقاً في مواجهة عودة حزب البعث للسلطة من جديد . يضاف إلى ذلك أن الأكراد أيضاً يتخوفون من محاولات حزب البعث العودة من جديد إلى السلطة بعد انسحاب قوات الاحتلال من العراق .
قرار ملزم
في حين رأت كتل أخرى ومن أبرزها ائتلاف دولة القانون أن قرارات المحاكم العراقية هي قرارات قضائية وليست سياسية . لذلك لابد من الالتزام بها وعدم الاستهانة بها . وهذه القرارات تصب كلها في صالح ائتلاف دولة القانون الذي يطمح كثيراً إلى الحصول على المركز الأول في نتائج الانتخابات حتى يتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة .
مخاوف كبيرة
لكن الائتلاف الوطني العراقي وجد في القرارات الأخيرة أمراً خطيراً ربما يؤدي إلى حصول إسقاطات كبيرة على العملية السياسية برمتها . لذلك دعا قادته إلى التعامل الجدي مع نتائج الانتخابات الأخيرة وما أفرزته من أرقام . حيث يعتقد أغلب قادة الائتلاف أن الاعتراضات لن تغير كثيراً من واقع النتائج وحتى إن حصل تغيير في مقعد أو مقعدين، فإن هذا التطور لا يلغي عملية التحالفات التي تحتاجها الحكومة المقبلة .
أهم ما يجعل الائتلاف الوطني العراقي يتخوف من الإرهاصات المقبلة هو خشيته من احتمالات انسحاب الكتلة ldquo;العراقيةrdquo; من العملية السياسية، حيث هددت أكثر من مرة باستخدام هذه الورقة في حال استمرت عمليات استهدافها . فضلاً عن ذلك هناك مخاوف أخرى تتمثل باحتمالات وصول الأمر إلى أعادة عملية العد والفرز اليدوي في جميع المحافظات وقد تؤدي المخالفات التي حصلت في عمل المفوضية إلى مطالبة بعض الكتل للمجتمع الدول بإعادة الانتخابات برمتها من جديد، ومثل هذا الأمر سيدخل البلد في أتون أزمة سياسية وأمنية واقتصادية قد يجد السياسيون العراقيون صعوبة بالغة في تجاوزها، خصوصاً بعد أن أفرزت الانتخابات الأخيرة أربع كتل كبيرة .
هجمات دموية
وفي الوقت الذي أخذ القائمون على الكتل الفائزة قسطاً من الراحة في عملية الحوارات حول التحالفات الجديدة، استغلت بعض الجهات المعادية هذه الراحة وقامت بتنفيذ هجمات دموية استهدفت العديد من المساجد والحسينيات في العاصمة بغداد أدت إلى مقتل وجرح العشرات من المصلين وبعض منتسبي الأجهزة الأمنية . حيث ذكر بعض المتابعين للشأن العراقي أن هذه الهجمات فيها أكثر من بعد . البعد الأول يتمثل في أن ldquo;تنظيم القاعدةrdquo; وبعد استهداف قادته من قبل القوات الأمريكية والعراقية أراد أن يؤكد للطرفين أنه لايزال موجوداً وفاعلاً في الشارع العراقي ويستطيع أن يستهدف الأهداف التي ينتخبها بالطريقة التي تناسبه . وقد تأكد ذلك فعلاً لأن جميع المساجد والحسينيات التي تم استهدافها كانت محاطة بحماية كبيرة من قبل القوات الأمنية العراقية . أما البعد الثاني الذي حملته هذه الهجمات فيتمثل في الخلافات القائمة بين الكتل السياسية وتحديداً الخلاف القوي بين كتلتي ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي . حيث أدى هذا الخلاف إلى جعل الحوار بينهما عقيماً بحسب زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي . لذلك تم استهداف جماهير هذين الائتلافين في المساجد لعل وعسى تحصل فتنة جديدة بينهما تؤدي إلى عودة العنف من جديد إلى الشارع العراقي، ولكن هذه المرة العنف سيكون حزبياً وليس طائفياً كما كان من قبل . لكن مثل هذا الأمر تم تطويقه لغاية الآن، ما يعني أن على السياسيين العراقيين أن يدركوا أن وضع شارعهم بات مشحوناً ومتأزماً وكلما زادت خلافاتهم وتأخروا في تشكيل الحكومة الجديدة كلما أسهموا في رفع وتيرة العنف في البلد . كذلك هناك بعد آخر ربما لم ينتبه إليه الساسة بسبب انشغالهم في تقاسم كراسي السلطة المقبلة وهو أن قوات الاحتلال التي من المؤمل أن تقوم بسحب ما يقارب الخمسين ألف جندي من قواتها في شهر أغسطس/آب المقبل لا تريد أن تنفذ هذا الانسحاب ولا تريد أن تمنح حكومة المالكي امتياز انسحابها حسب ما نصت عليه الاتفاقية الأمنية التي وقعها البلدان نهاية عام ،2008 حيث يعرف المحتلون أن السبيل الوحيد لعدم انسحاب قواتهم في الموعد المذكور هو زيادة عملية العنف حتى تكون الحكومة الحالية أو الحكومة المقبلة مرغمة على تمديد بقاء قوات الاحتلال في العراق.