هل تعود بريطانيا إلى "القرون الوسطى"؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سعد محيو
هل أصبحت ldquo;أم الديمقراطياتrdquo; بريطانيا عليلة سياسياً وسقيمة دستورياً إلى هذه الدرجة؟ هذا أول سؤال يجتاح الذهن حين نقرأ نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في بلاد الانجليز، والتي أسفرت عن نتائج غير حاسمة ستقود إلى ldquo;برلمان معلّقrdquo;، وربما إلى شلل سياسي .
صحيح أن بريطانيا شهدت قبل الآن نتائج غير حاسمة من هذا النوع، في العام 1947 وغداة الحرب العالمية الثانية، حين عجز أي من الحزبين العمالي والمحافظ عن تحقيق أغلبية كافية لتشكيل حكومة قوية قادرة على اقتراح القوانين وتمريرها في مجلس العموم .
لكن الأزمة الراهنة مختلفة . فحزب العمال المهزوم لايزال يتعلّق بالسلطة، رغم هزيمته الانتخابية . وحزب المحافظين يندفع نحو الإمساك بصولجان الحكم، رغم أنه لا يملك منفرداً أغلبية الأصوات في البرلمان . وهذا ما جعل بريطانيا تُشبه إلى حد بعيد الديمقراطيات الناشئة في أوروبا، حيث يحدث التنازع العنيف على السلطة بسبب تبعثر الجسم السياسي على العديد من الأحزاب المتوسطة أو الصغيرة .
وفي الوقت نفسه، الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي كانت تعلّق عليه الآمال بقدرته على نقل بريطانيا من نظام الحزبين إلى نظام الأحزاب الثلاثة أو أكثر، لم يبلِ بلاء حسناً في الانتخابات كما توقعت استطلاعات الرأي . وهذا بالتالي، كرس استمرارية نظام الحزبين حتى إشعار آخر .
وهذا ما أضاف عاملاً آخر إلى الفرضية التي تقول إن بريطانيا، وبسبب تهالك تجربتها البرلمانية القديمة التي تعود إلى عهد ldquo;الماغنا كارتاrdquo; ثم إلى إصلاحات الاقتراع العام الانتخابية في القرن التاسع عشر، لم تعد تلك الديمقراطية الناضجة التي عرفها العالم .
لا بل أكثر: يبدو أن بريطانيا قد تكون مضطرة قريباً لأن تعود القهقرى إلى القرون الوسطى، حين كان الملك أو الملكة يملكان صلاحيات تشكيل الحكومة وحلّها، أو هذا على الأقل ما اقترحه بيتر هينيسي، أهم خبير دستوري إنجليزي وأشهر من شرح قواعد عمل النظام الديمقراطي البريطاني، إذ قال إن الأزمة الراهنة في البلاد مُتجّذرة وعميقة، وإن الملكة إليزابيث الثانية هي الشخص الوحيد القادر على تسويتها . وأضاف ldquo;إنها جوهر نظامنا الذي يتضمن أجزاء لا تستطيع سوى الملكة الوصول إليهاrdquo; .
بالطبع، تسبّب هذا الاقتراح بصدمة في البلاد التي لطالما تباهت بكمال نظامها الشعبي التمثيلي، وبحكم الشعب للشعب في الإطار الديمقراطي . لكن ها هو صوت مُلعلع في عالم الدساتير الديمقراطية يدعو إلى وضع مصير الانتخابات وتشكيل الحكومة في يد ملكة غير مُنتخبة، تتعرّض أصلاً إلى حملات عنيفة بسبب أكلاف العائلة المالكة الباهظة .
حسناً . إلى أين من هنا؟
الحكومة التحالفية الجديدة، سواء برئاسة العمال أو المحافظين، سترى النور في نهاية المطاف وإن بعد شد حبال قد يتضمن دعاوى قضائية . بيد أن هذا لن يحل المشكلة بل قد يعقّدها، خاصة إذا ما تشكّلت حكومة أقلية ترقص على إيقاع شروط قاسية يفرضها الديمقراطيون الليبراليون .
ولعل الكاتب في الrdquo;غارديانrdquo; جوناثان فريدلاند كان الأدق في التعبير عن احتمال ديمومة هذه الأزمة حين قال: ldquo;الانتخابات الأخيرة أدّت إلى جعل النظام السياسي العتيق يُطلق صريراً مؤلماً . وهو (النظام) وصل الآن إلى مرحلة بات من المتعذّر معها التكهن بالمصير الذي ينتظر نظام أُم البرلمانات في العالمrdquo; .