الغرب متدين أكثر مما يبدو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إبراهيم غرايبة
رغم الإغراق الإعلامي والسياسي الغربي الكبير عن التمسك بالعلمانية، فإن التأثير الديني على السياسة والأفكار يبدو أوضح وأعمق بكثير مما يحاول الغرب إخفاءه، بل حتى القرارات والسياسات التي تبدو علمانية يمكن بسهولة استنتاج الحجم الكبير للأيديولوجيا والتعصب والدافع الديني وراءها.
في الولايات المتحدة ركَّزت الحملة الانتخابية للجمهوريين بشكل واضح على الدين، كما عبّر الجمهوريون بصراحة عن معتقداتهم الدينية طارحين بذلك الديانة موضوعا في الحملة الانتخابية الرئاسية رغم أنهم يجازفون بذلك بفقدان تعاطف بعض الناخبين.
وعندما سُئل بوش الابن الذي ينتمي إلى الكنيسة الأنغليكانية عن اسم الفيلسوف والمفكر الذي كان تأثيره عليه كبيرا، قال إنه يسوع المسيح، وقال إنه بحث طوال حياته عن الخلاص، وأكد حرصه على "الاقتداء بيسوع" في حياته اليومية، وكانت الموضوعات الدينية والأخلاقية محوراً للبرامج والحملات الانتخابية.
وكان مجيء يوحنا بولس الثاني على رأس الفاتيكان عام 1980 تحولا كبيرا في سياسة الكنيسة وبرامجها وتوسعة مشاركتها السياسية والاجتماعية، وشملت جولاته البابوية الطويلة أكثر من 120 بلداً، وفي عام 2000 زار عدداً من الدول العربية للاحتفال بالألفية الثانية وليقتفي خطى القديس بولس في فلسطين ومصر والأردن.
وفي اليونان تظاهر أكثر من 100 ألف من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية احتجاجاً على قيام امرأة يونانية بإقامة مركز للديانة البوذية، وقد قضت محكمة سالونيك بسجنها لمدة شهرين.
ففي اليونان لا يوجد فصل بين الدولة والكنيسة الأرثوذكسية؛ لذلك يُشترط في اليونان الحصول على إذن مسبق من وزارة التربية والأديان قبل فتح أي مركز للعبادة، ولا يتم التصريح بذلك لغير الأرثوذكس إلا بعد استشارة الكنيسة الأرثوذكسية، التي لا توافق عادة على ذلك.
وفي مقدونيا التي يشكل المسلمون حوالي %40 من سكانها تنشط مبادرات ومشروعات لتأكيد وتنشيط الطابع المسيحي، وأقيم صليب عملاق يصل ارتفاعه إلى 200 متر على قمة جبل فودنو، وأعيدت تسمية مستشفى مدينة أوهريد (ذات الأكثرية الإسلامية) باسم "القديس أرازمو"، وقدم إلى البرلمان مشروع قانون بإصدار عملة جديدة تحمل الصليب، وقُدم مشروع قانون آخر يعطي الكنيسة الأرثوذكسية وصفاً مميزاً في الدولة.
وفي صربيا التي يشكل المسلمون %25 من سكانها تقود الكنيسة الأرثوذكسية تقريبا الحياة السياسية والعمليات العنصرية ضد المسلمين والكروات الكاثوليك.
وكان للكنيسة أيضا دور حاسم في تنحية ميلوسوفيتش الرئيس الصربي السابق وانتخاب فويسلافكوستونيتشا عام 2000، وذلك بسبب الخلاف الذي أنهى التحالف الذي كان قائما بين ميلوسوفيتش والكنيسة.
ويحاول كوستونيتشا رد الجميل إلى الكنيسة بسبب تأييدها له في فرض سياسات وتشريعات قد تحوّل صربيا من دولة علمانية إلى أرثوذكسية تخضع لإرادة وسيطرة الكنيسة، فيحرص الرئيس الصربي على زيارة الكنائس والمشاركة في الاحتفالات الدينية وأن يشارك قادة الكنيسة إلى جانب الوزراء والمسؤولين في المهمات والاحتفالات الرسمية.
وأعيدت إلى الكنيسة الأملاك التي صودرت منها في العهد الشيوعي بقيادة تيتو، وأعيد التعليم الديني المسيحي إلى المدارس والجيش والسجون، وتساعد الحكومة في بناء 600 كنيسة ومبنى ديني في أنحاء البلاد، إلى درجة أثارت حفيظة المسلمين في صربيا وفي البوسنة والهرسك، بل وأدت إلى انتقادات صربية أيضاً، مثل الفيلسوف الصربي نيناد جاكوفيتسش الذي قال إن صربيا تشهد قومية دينية غير ديمقراطية.
وهناك أيضا في أميركا اللاتينية دور نضالي وسياسي للكنيسة يستحق أن يفرد في مقالة مستقلة، ففي البرازيل ونيكاراغوا وغيرهما من دول أميركا اللاتينية يستند الخطاب الاشتراكي واليساري والاجتماعي إلى قاعدة دينية وكنسية واسعة ومؤثرة.
والواقع أن التاثير الديني في الغرب لا يوضع كله في سلة واحدة، ولا يمكن الحكم عليه باعتباره ظاهرة واحدة وليس ظواهر عدَّة مستقلة ومختلفة، وقد اعتدنا أن ننظر إلى التدين الغربي باعتبارة قوة سياسية متعصبة ضد العرب والمسلمين، ولكن طارق متري يشير إلى حالات وأنماط عدة في التدين في الغرب وتأثيره في السياسة.
يقول طارق متري: هناك في الغرب حيويات دينية، وذاكرات دينية مختلفة، وتباين في مواقف القوى الدينية المتنوعة؛ فمثلا انقسم المسيحيون البروتستانت في الولايات المتحدة في موقفهم تجاه الحرب ضد العراق. هناك الصهاينة المسيحيون الذين أيدوا الحرب، ولكن هناك قوى مسيحية وكنائس أخرى عارضتها بشدة. والأمر نفسه بخصوص الموقف من النهج الإسرائيلي العدواني؛ فقد اتخذت الكنيسة المشيخانية في الولايات المتحدة -وهي كبرى الكنائس الأميركية- موقفا متشدداً تجاه السياسات التي تتبعها إسرائيل في المنطقة بالدعوة إلى سحب أرصدتها واستثماراتها من الشركات التي تسهم في بناء المشروع الاستعماري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية؛ الأمر الذي لم تفعله أية شركة عربية أو إسلامية. هذا يعني أنه من الضروري النظر إلى الظواهر السياسية والمواقف بعينين حتى لا نقع في خطر التعميم المفرط عند النظر إلى الغرب، وهو أمر لن يفيد العرب والمسلمين أنفسهم الذين هم في حاجة إلى أصدقاء في الغرب.