جريدة الجرائد

أين الروح؟ وما هي وظيفة الدماغ؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خالص جلبي

أرسل لي الكاتب الأديب أحمد كنعان خلاصة عن العمليات التي أجريت على القلب، على يد جراح بارع وتقي خاشع، بأن زراعة القلب لا تجعل من الكافر مؤمنا ولا من المؤمن كافرا، قالها الرجل في محاضرة له بسبب رواج بعض الأفكار في الإنترنت عن تغير الشخصية بعد عملية زراعة القلب؟

أرسل لي الكاتب الأديب أحمد كنعان خلاصة عن العمليات التي أجريت على القلب، على يد جراح بارع وتقي خاشع، بأن زراعة القلب لا تجعل من الكافر مؤمنا ولا من المؤمن كافرا، قالها الرجل في محاضرة له بسبب رواج بعض الأفكار في الإنترنت عن تغير الشخصية بعد عملية زراعة القلب؟
وأذكر أنا من قناة الديسكفري أبحاثا عن أثر زراعة القلب على الشخصية، توصلوا فيها إلى بعض النتائج الهزيلة التي لا يعتد بها كثيرا، عن وجود خلايا عصبية في عضلة القلب، تلعب دورا في الشخصية، ولكن هذه الخلايا العصبية لا تقارن قط بكمية وترابط الخلايا العصبية في الدماغ والتي تبلغ مائة مليار نورون.
ومعضلة التفكير ووظائف الدماغ كانت مصدر حيرة وتحد لفهم مكان التفكير ومركز الروح، وهو أمر قطع فيه أبوقراط وضرب ضربته العلمية حين أشار إلى أن الدماغ هو آلة التفكير ومكان النشاطات الذهنية، قالها الرجل ولم يكن علم التشريح قد وصل بعد إلى شيء، فلم تفتح جمجمة إلا واحدة بالصدفة من انفلاق بالحرب والضرب.
وأمور مثل هذه استفاد منها أيضا الطب الحديث حين رأوا بعض الإصابات ومناطق التخرب في الدماغ، التي أدت إلى تعطل هذه الوظائف، كما وصل إلى ذلك كل من المشرح الفرنسي بروكا والآخر الألماني فيرنيكيه.
وأخطأ جدا جالينوس مع أنه جاء بعد أبقراط بقرون ليقول إن مركز التفكير ليس الدماغ بل الكبد؟
ولأننا لم نستطع القيام حتى اليوم بزراعة الدماغ، كما هو الحال عند موتى الدماغ في العناية المركزة، خلاف زراعة الكبد والكلية والرئتين والقلب؛ فقد أمكن للأطباء الإحاطة بالتطورات التي تحدث في الشخصية بعد هذه الزراعات.
ومكان التفكير أو آلته وصل التشريح الطبي إلى تحديد أماكن بعينها في الدماغ هي المسؤولة عنها، مثل الفص الصدغي للسمع والحس، والجداري للحركة، والقفوي للرؤية، ومركزي فيرنكية وبروكا اللذين أشرنا لهما أنهما المسؤولان عن النطق وتركيب الكلمات، وأن الفص الجبهي له دور فعال في الشخصية واتخاذ القرارات، مايسميه الأطباء الحكمة البشرية، وبالطبع فإن جماعات الإعجاز العلمي ركضوا وحملوا الآية وطبقوها للفور على هذا الاكتشاف من الآية، ناصية كاذبة خاطئة.
ولعل أهم الأطباء الذين قاموا بدراسة تشريح الدماغ فرسم جغرافية المخ كما فعل ماجلان برسم خريطة الأرض هو الطبيب الكندي (وايلدر بنفيلد Wilder Penfield)، الذي بحثت عن كتابه (لغز الدماغ
Mystery of Mind) حتى عثرت عليه باللغة الإنجليزية، والرجل قام بعمل طموح جبار استغرق منه نصف قرن، دخل فيه ملحدا وخرج منه مؤمنا، أراد أن يثبت أن الدماغ من التراب وإلى التراب يعود، وأن أحدنا لا يزيد عن قبضة من تراب، ثم بحث عن مكان الروح في الدماغ، وتجاربه كانت على بشر في حالة الوعي، بإدخال الكترودات في غاية النحافة إلى قشر المخ وإثارته ليعرف وظيفتها، وذكر هذه التجربة كتاب العلم في منظوره الجديد بالتفصيل لمن أحب الاطلاع، فلم يعثر على مكان تتمركز فيه الروح أو النفس الإنسانية ومشتقاتها من الوعي والإرادة، ولو وصل لكانت مصيبة وسخرتها دور الإجرام فورا للتحكم بروح الإنسان وإرادته.
كل هذا الكلام الذي نسوقه يعترضني جدا مع الشباب الذين أناقشهم حين يقولون عن مكان الوعي إنه القلب والقلب في الصدر، وحين يشير القرآن إلى القلوب فهو يشير إلى مكان الوعي، والروح هي غير القلب وغير الدماغ أيضا، ولذا يجب تنزيل الكلمات ليس من خلال لعبة الألفاظ، فهذه لا توصل لشيء، والناس يتناقشون كثيرا، وما يحكم على الأشياء الواقع وليس الكلمات، ولعبة الألفاظ أكبر من التصور، وحين يتكلم الله عن آدم وقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدو، فقد قال لبني إسرائيل أيضا اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم حين جاعوا للبصل والثوم، وهنا لم يهبط بنو إسرائيل من كوكب لكوكب، كما يخيل للبعض عن رحلة آدم من كوكب خارج الأرض إلى الأرض.
وكذلك كلمة أنزلنا؛ فالقرآن يقول عن الأنعام أيضا أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج. وحين يتحدث عن تدمير عاد يقول ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، فلم تزل الجبال الرواسي، ولا تغيرت ممرات البحار، ولا تفتتت الذرات والبروتونات، فهنا يجب استخدام منطق الواقع، وهو المنهج الرائع الذي دشنه ابن خلدون من قبل، حين أشار إلى أن اعتماد الأخبار لا يتم بالنقل، بل بالعرض على الواقع، ووضع قانونا من ست فقرات لذلك، عسى أن نتمكن من عرضه بالتفصيل.
أما مناهج اللعب بالألفاظ، كما في كتاب القرآن والكتاب للشحرور، بأن سفينة نوح كانت مدورة، لأنها فلك، والفلك دائري؛ فهو تخريف؛ فيونس أيضا أبق إلى الفلك المشحون، بل إن سورة يس تمن على العباد أن حملهم في الفلك المشحون، فلا يعقل أن السفينة ماري التي تحمل خمس آلاف راكب اليوم، ولا سفينة يونس من قبل أنها كان دائرية مثل طست الحمام، بدون مجاديف ومرساة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف