جريدة الجرائد

مفاوضات غير مباشرة: اعتبارات ومتطلبات

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

علي الغفلي

بعد فترة من التردد الفلسطيني والمماطلة ldquo;الإسرائيليةrdquo;، انطلقت أخيرا المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين . حصلت السلطة الفلسطينية على غطاء التأييد العربي، ممثلا في لجنة المتابعة العربية، والتي تبني بدورها موقفها الداعم على تأكيدات حصلت عليها من واشنطن بخصوص جدوى جولة المفاوضات وجديتها هذه المرة . لا تبدو السلطة الفلسطينية متيقنة بشأن النتائج التي يمكن أن تثمر عنها هذه المفاوضات، وهي بكل تأكيد تتوجس خيفة من ردود فعل كل من المقاومين المتحمسين والمقاطعين المتشككين، وهي تحتاج لذلك إلى الحصول على الغطاء الرسمي من النظام العربي . ويبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو وجدت في الموقف المتشدد نسبياً الذي تتبناه إدارة الرئيس باراك أوباما إزاء ضرورة بدء المفاوضات سبباً للاعتقاد أنها أمام خيارين، يتمثل الأول في مواجهة غضب حليفتها واشنطن إن هي استمرت في تحدي الإرادة الأمريكية الهادفة إلى الدفع بعملية السلام إلى الأمام، أو مواجهة غضب الأحزاب والجماعات اليهودية المتشددة إن هي اختارت الاستجابة للضغوط الأمريكية . وفي ظل وجود تسيبي ليفني التي تلعب دوراً متجاوباً مع الموقف الأمريكي وتقدم نفسها بمثابة بديل عن حكومة نتنياهو، فمن الواضح أنه كان يتوجب على الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; أن تختار، وقد اختارت أن تتجنب ردة الفعل الأمريكية الغاضبة وأن تسحب البساط من تحت أقدام ليفني، حتى وإن أدى ذلك إلى إثارة غضب قوى التطرف اليميني المتشدد وبالشكل الذي لا يضمن الحصول على تعاطف قوى اليسار المعتدل في المجتمع ldquo;الإسرائيليrdquo; .

يحسن بالموقف العربي، ممثلا في لجنة المتابعة العربية بشكل خاص والنظام الرسمي العربي بشكل عام، أن يمتلك الأسباب الكافية كي يبدي الثقة اللازمة من أجل دعم المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني وrdquo;الإسرائيليrdquo;، وحري بهذه الثقة أن تستند إلى فهم صحيح لعدة أمور حيوية . أهم هذه الأمور هو جوهر صدقية الرئيس أوباما في لعب دور الوسيط النزيه في المفاوضات غير المباشرة، وبالشكل الذي يمثل مغادرة تامة للكيفية التي مارست من خلالها إدارة الرئيس السابق بوش هذا الدور . وإضافة إلى فكرة صدقية أوباما، فإن الموقف العربي ينبغي أن يستند كذلك إلى تقديرات صحيحة تتعلق بالمدى الذي يمكن لإدارة الرئيس أوباما أن تذهب إليه بخصوص ممارسة أنواع التأثير اللازمة على تل أبيب من أجل انتزاع بعض التنازلات المعقولة في شأن المسائل الصعبة في التسوية السلمية . ولا يفوتنا أن نذكر مسألة ثالثة نرجو أن يدركها الموقف العربي الداعم للمفاوضات غير المباشرة، تتمثل تحديداً في المرحلة التي سوف يكون مطلوباً من الدول العربية التدخل فيها، وذلك في صورة ممارسة بعض المساومات الحاسمة، سواء من أجل تقديم حوافز إضافية للحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; لتقديم تنازلات للفلسطينيين، أو من أجل التأثير على الفلسطينيين بغرض حثهم على قبول أي قدر من التنازلات التي سوف ترضى تل أبيب بتقديمها لهم .

لا تحسم مشكلة تل أببيب بمجرد اختيارها مجاراة واشنطن وقبول الخوض في مخاطرة إثارة الغضب العنيف من قبل جماعات التشدد والتطرف اليهودية، إذ إن قرار قبول المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين هو في حقيقة الأمر إذعان لأدوات الضغط الأمريكي واستجابة لمتطلبات المنافسة السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني . إن بانتظار نتنياهو مشكلة أكبر، تتعلق بالكيفية التي سيتمكن من خلالها من التهرب من هياكل المفاوضات غير المباشرة، ويتحصن من تبعات المساومات السلبية بالنسبة له، كي ينجح في نهاية المطاف بالخروج من هذه الجولة خلال الشهور المتبقية بأقل قدر من التنازلات، وذلك قبيل انشغال الولايات المتحدة بحمى الانتخابات القادمة، وتراجع اهتمام واشنطن بمسار المفاوضات .

إن لدى نتنياهو أسباباً راسخة للاعتقاد بجدوى التشدد مع الجانب الفلسطيني، والتمسك بتطبيق هذا التشدد حتى في ظل المفاوضات، وربما ليس أدل على تبييت رئيس الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; نوازع التشدد ومقاصد التهرب من التزامات التسوية السلمية من إعلانه أنه يتطلع إلى الدخول في مرحلة المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين في أسرع وقت ممكن . إن الموقف ldquo;الاسرائيليrdquo; واضح على الدوام، ويتمثل في مقاومتها لفكرة تدويل المسألة الفلسطينية، وممانعتها لتدخلات الوسطاء، وتفضيلها التفاوض مع الجانب الفلسطيني بشكل مباشر، وذلك بغرض الانفراد به، وإملاء الشروط عليه، ودفعه إلى اليأس في نهاية المطاف .

يقودنا الحديث بالتالي إلى تناول الدور المطلوب من إدارة الرئيس أوباما . يتعين على هذه الإدارة أن تدرك أن الفلسطينيين قد كرسوا العقدين الأخيرين من عمر قضيتهم العادلة في سبيل تحقيق تسوية سلمية عادلة، وهم لم يكونوا في يوم من الأيام العامل المعطل لجهود التوصل إلى هذه التسوية، بل كانوا الطرف المبادر إلى تقديم التنازلات المبدئية والواقعية، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف ضحية تقنيات التهرب والمماطلة التي مارستها الحكومات ldquo;الإسرائيليةrdquo; بكل اقتدار . ويتعين على إدارة أوباما وفقا لذلك أن تعي أهمية جولة المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت، وأن لا تجعل منها مناسبة أخرى لخيبة الأمل العربية والفلسطينية . ليس بوسع الفلسطينيين المعتدلين تحمل صدمة فشل المفاوضات التي يمكن يتسبب بها خذلان الرئيس أوباما لتطلعات الشعب الفلسطيني، ولن يتردد الفلسطينيون المقاومون في استثمار مثل ذلك الفشل في غير صالح المسار السلمي لجهود حل هذه القضية الإقليمية المركزية .

لقد خبر الفلسطينيون كافة أنواع الفظاعات التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحقهم، من قبيل اغتيال القيادات، وتجاوزات المستوطنين اليهود، واقتراف المجازر، وحماقات الاجراءات الاستباقية، وإذلال الحواجز، ودمار الغارات الحربية، وحرمان المقاطعة الاقتصادية، وعانى الشعب الفلسطيني سياسياً واجتماعياً ومعيشيا أكثر مما ينبغي السماح لأي شعب أن يعاني . لقد آن الأوان كي تصنع الإدارة الأمريكية فهما منصفاً للقضية الفلسطينية، تعمل على ترجمته في صورة لعب دور الوسيط المنصف في المفاوضات التي نرجو أن تستمر في هيئتها غير المباشرة .


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف