جريدة الجرائد

وفاء بيروت في مناسبة الانتخابات البلدية!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

الموضوع ابعد من بيروت. انه موضوع لبنان والتوازن داخل لبنان حيث المسلم والمسيحي في حال تعايش يكمل بموجبها كل منهما الآخر، او هكذا يفترض. من بيروت انطلقت صيغة العيش المشترك ومن بيروت انطلقت الفتنة وادت الى تقسيم المدينة طوال عقد ونصف عقد. ولذلك كان مهما لدى الرئيس الشهيد رفيق الحريري اعادة الحياة الى بيروت كنقطة انطلاق لأعادة الحياة الى لبنان واعادة وضعه على خريطتي الشرق الأوسط والعالم. ولأنه استطاع ذلك، دفع الثمن غاليا. دفع دمه من اجل لبنان.
قليلون يدركون حجم التضحيات التي بذلها رفيق الحريري من اجل بيروت ومن اجل ان تكون نموذجا للعيش المشترك وفق صيغة المناصفة. كان مطلوبا في كل وقت تدمير بيروت وقلب بيروت المتمثل في الوسط التجاري. ولذلك، كانت الحملات المستمرة على مشروع اعادة البناء والإعمار الذي تولاه رفيق الحريري. كانت بداية هذا المشروع في اواخر العام 1982. كان رفيق الحريري الفرد يردّ وقتذاك على الحرب الأسرائيلية على لبنان. بذل رفيق الحريري في العامين 1982 و 1983 كل ما استطاع من اجل اعادة الحياة الى لبنان انطلاقا من العاصمة. كان مهووسا ببيروت. كان يعرف ان لا حياة ولا مستقبل للبنان من دون استرداد قلب بيروت. قليلون ادركوا معنى ما كان يقصده "ابو بهاء". قليلون آمنوا منذ البداية بمشروعه الذي تبين مع الوقت انه المشروع الوحيد القابل للحياة في لبنان وان من دونه لا حياة ولا مستقبل للبنان.
كانت العودة الى المشروع مطلع التسعينات بعد توقيع اتفاق الطائف. ولأن المتضررين كانوا يعرفون اهمية بيروت وما تمثله للبنان والمنطقة، شنوا حروبهم على رفيق الحريري. صمد المشروع وصمد رفيق الحريري الذي لم يدرك كثيرون اهميته، للأسف الشديد، ألا بعد اغتياله مع رفاقه في الرابع عشر من شباط 2005. لكن رفيق الحريري بقي في كل حجر من بيروت. انه رمز للبناء والتنمية. وبقي حلم رفيق الحريري حيا بفضل سعد الدين رفيق الحريري الذي ادرك باكرا اهمية ما تحقق في بيروت وتابع مشروع البناء والأعمار والتنمية انطلاقا من بيروت وكل ما تمثله المدينة على صعيد بناء الأنسان اللبناني وتثقيفه واعادة الحياة الى الطبقة المتوسطة اللبنانية التي من دونها لا مستقبل للبنان.
كانت الأنتخابات البلدية في بيروت دليلا على تمسك اللبنانيين بالصيغة القائمة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. كانت دليلا على وجود وعي عميق لخطورة المؤامرة التي تستهدف العاصمة. كان مطلوبا بكل بساطة العودة الى خطوط التماس وتقسيم العاصمة مذهبيا وطائفيا بما يسيء الى سمعتها ودورها الطبيعي كحاضنة للبنانيين جميعا من دون تفريق بين مواطن وآخر، بين فقير وغني، بين مسلم ومسيحي...
في النهاية، بيروت ليست شارعا ومقهى فحسب، انها ايضا الحرية والثقافة والأنفتاح على العالم والقبول بالآخر. انها الكنيسة الى جانب الجامع، والجامعة والمدرسة والمسرح والمستشفى والصحيفة والمجلة والمعرض الفني... والمكان الذي يرتاح فيه الأشقاء العرب والذي يطمح الأوروبيون الى زيارته. ولكن الأهم من ذلك ان بيروت تمثل قلب لبنان. متى كان القلب سليما، في الأمكان اصلاح الأعطال في الأعضاء الأخرى من الجسد. ولذلك، ليس صدفة ان تكون بيروت مستهدفة بأستمرار وان يكون اول ما فعله الذين ارادوا الأنتقام من بيروت الأعتصام في وسطها وتعطيل الحياة فيها طوال اشهر من العام 2007 وصولا الى السابع من ايار 2008. وليس صدفة ان يتوج الأعتصام بغزوة بيروت في السابع والثامن ايار 2008 التي استهدفت اثارة الغرائز المذهبية. وليس صدفة ان تسبق الأنتخابات البلدية محاولات لضرب صيغة المناصفة والغاء نتائج انتخابات السابع من حزيران- يونيو 2009.
من خلال الأنتخابات البلدية، اظهرت بيروت صمودها. اظهرت انها مدينة عصية على الغرائز المذهبية وعلى كل من يريد اثارتها ان عبر المطالبة بتقسيم المدينة او عبر الحديث عن فرض ممثلين لما يسمّى "المعارضة السنية" على بيروت. لو كانت بيروت مع هذه المعارضة والقيمين عليها، لما كانت حاجة الى "غزوة" استهدفت القضاء على ثقافة الحياة فيها...
بيروت صامدة لأنها تؤمن بثقافة الحياة وترفض السلاح والميليشيات المسلحة التي لا همّ لها سوى نشر ثقافة الموت. بيروت قدمت الشهداء الواحد تلو الآخر من اجل تكريس ثقافة الحياة. من اجل حماية هذه الثقافة التي تشكل رابطا بين لبنان والعالم الحر وبين اللبنانيين انفسهم، سقط هذا العدد الكبير من الشهداء، من بينهم سمير قصير، صاحب كتاب بيروت، وجبران تويني الذي لعب عن طريق "النهار" دورا اساسيا في استنهاض شباب لبنان والدفع في اتجاه انتفاضة الرابع عشر من آذار 2005. دفع اللبنانيون غاليا ثمن الحرية المستعادة، ولو جزئيا، وثمن الدفاع عن بيروت. لم يضحوا بالشرفاء من امثال رفيق الحريري وباسل فليحان ووليد عيدو من اجل ان يعم الظلم والظلام والظلامية بيروت. كان لكل من الشهداء الذين سقطوا دور في الدفاع عن بيروت. كان هناك دور لجورج حاوي ودور لبيار امين الجميّل ودور لأنطوان غانم. بيروت كانت محور نضالات اللبنانيين الأحرار الذين تصدوا لمن اراد قهر المدينة وقهر لبنان. هؤلاء الشرفاء ما زالوا يقاومون. من حيث هم طردوا من بيروت اولئك الذين ارادوا الأعتداء على مدينتهم. من حيث هم، شكلوا لائحة بيروت في الأنتخابات البلدية. ما حصل امس لم يكن انتصارا لبيروت فحسب، كان ايضا انتصارا لمشروع رفيق الحريري ولثقافة الحياة. كل ما ارادت بيروت قوله، مرة اخرى، انها وفية لشهدائها وفاءها لثقافة الحياة والمحبة والأنفتاح بعيدا عن اي نوع من التزمت والعقد. بيروت وفية لمن اعاد اليها الحياة ولمن جعلها لؤلؤة المتوسط بدل ان تكون مجرد ارض سائبة يسرح فيها الشذاذ وينتشر فيها الدمار والبؤس كما كانت الحال قبل المباشرة بمشروع الإعمار...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الوفاء
سعد -

شكرا على وفائك ليروت. المقال جيد رغم ان فيه مراعاة لحزب الله.

al ayadi al sood
ahmad -

al ayadi al sood is the best book i ever read it reveals every thing happened since the end of civil war and how rafiq Hariri helped lebanon