النموذج الجزائري لمواجهة الأصولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خالد السرجاني
أعلنت الجزائر الأسبوع الماضي بدء النظر في ملف تفجيري 11 ديسمبر 2007، اللذين استهدفا مقري المجلس الدستوري والأمم المتحدة في العاصمة، بعد أن استمرت التحقيقات في التفجيرين سنتين، وبدت الأضخم في تاريخ "قضايا الإرهاب"، حسب الوصف الجزائري الرسمي، وواحدة من أكثرها تعقيداً.
بسبب وجود ضحايا غربيين ومتابعة من الأمم المتحدة لطبيعة التحقيقات التي تمت في الجزائر، حيث أحالت محكمة الجنايات الجزائرية قضية التفجيرين على جلسة علنية تُعقد بتاريخ 24 يونيو المقبل.
وهذا الإعلان يكشف عن أمرين؛ الأول خاص بهذه المحاكمة التي تعني أن أجهزة الأمن الجزائرية نجحت فى الكشف عن مرتكبي عمليتي التفجير، وهو أمر كان معظم المراقبين يرون أنه صعب للغاية. وقد كشفت التحقيقات أن قائد المجموعة التي دبّرت الهجمات، هو بوزقزة عبد الرحمن "أمير كتيبة الفاروق"، وهي إحدى الكتائب التابعة لـ "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، التي حوّلت تسميتها إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بدءاً من العام 2007، أي قبل 11 شهراً من التفجيرين.
وقُتل عبد الرحمن الذي صدرت بحقه 43 مذكرة اعتقال، في 28 يناير 2009 في عملية للجيش في بومرداس شرق العاصمة الجزائرية. وأعضاء "كتيبة الفاروق" هم المسؤولون أيضاً عن اعتداء وقع في غرب العاصمة في 10 ديسمبر 2006، استهدف وسيلة نقل موظفي شركة جزائرية ـ أميركية، ما أدى إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى، وهو الهجوم الذي دشّن التحاق الجماعة السلفية ب"تنظيم القاعدة"، حيث أطلق على التنظيم مسمى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ويعد أحد الأفرع القوية والنشطة داخل تنظيم القاعدة الأم.
أما الأمر الثاني؛ فيتعلق بالنموذج الذي قدمته الجزائر لمواجهة الخطر الأصولي، فقبل عقدين من الآن كانت الجزائر مرشحة بقوة لأن تسقط فى براثن الجماعات الأصولية المتطرفة، وكانت في حرب أهلية غير معلنة، وتواجه استقطابا ثقافيا حادا، ولكنها الآن تخلصت من كل ذلك، وأصبح الخطر الذي يواجهها من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة جماعيا، أي يشملها هي وباقي دول المغرب العربي، والساحل الصحراوي الذي يضم دولاً إفريقية غير عربية، لكنها تقع ضمن نطاق أعمال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
وإن كان لدى الجزائر خطر ما من هذه الجماعات، فهو لا يذكر مقارنة بما سبق أن واجهته، فقد أصبح في مناطق نائية غير مأهولة، والعمليات التي تحدث في الجزائر مثل تلك التي ستجري محاكمة منفذيها الشهر المقبل، تعبر عن يأس وليس عن قوة جماعات التطرف والعنف الجزائرية.
وقد ثبت الآن أن هذه التوقعات لم تتحقق، ليس لأنها لم تكن جدية، وإنما لأن الجزائر قدمت نموذجا متعدد المحاور لمواجهة الخطر الارهابي، وبالطبع فإن المحور الأول كان هو المتعلق بالمواجهة الأمنية للخطر، وقد نجح الأمن الجزائري على الرغم من الخسائر البشرية التي تعرضت لها عناصره.
أما المحور الثاني من محاور المواجهة الجزائرية للإرهاب، فيتعلق بالتعامل السياسي؛ فمن جهة فإن العملية السياسية الجزائرية التي كانت معطلة، استؤنفت وأصبحت مستمرة على طبيعتها الأولى، بما تجاوز الواقع الذي أسفر عن الأزمة الجزائرية، بعد نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البرلمانية التي أجريت فى نهاية عام 1990.
وعودة العملية السياسية واستمرارها، أدخلا الجزائر في درجة ما من درجات الاستقرار السياسي جعلتها تجتاز الأزمة، خاصة وأنه مع استمرار هذه العملية تمت إعادة الاعتبار لجبهة التحرير الجزائرية والتيار الوطني الوسطي القوي، بما همش التيارات الدينية المتشددة، وأيضا التيارات العلمانية المتشددة التي يطلق عليها في الجزائر مسمى التيار الاستئصالي.
وإذا كانت هناك صراعات سياسية بين أركان الحكم، أو اتهامات بإعادة تركيز السلطة في مؤسسة الرئاسة، فكلها ـ إن صحت ـ قضايا عارضة لا يمكن مقارنتها بما كانت تواجهه الجزائر من أزمة داخلية طاحنة، كان يمكن أن تنتهي بتفكك الدولة ذاتها.
أما المحور الثالث من محاور المواجهة الجزائرية لخطر الأصولية العنيفة والمتشددة، فيتعلق بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي، حيث ساهم ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، الذي تزامن مع حكم الرئيس بوتفليقة، في مساعدة الجزائر على زيادة الإنفاق الحكومي، وعلى سداد ديونها الخارجية، بما حولها من دولة مدينة إلى أخرى لا تواجه هذا الخطر، وهو الأمر الذي ساعدها على توفير فرص عمل للشباب، وإن كانت غير كافية إلا أنها خفضت أعداد العاطلين المتوقعين.
وفي رأي العديد من المتابعين للوضع في الجزائر، فإنها لم تكن لتستطيع تقليل خطر العنف الداخلي دون الزيادة التي حدثت في أسعار النفط، وبالتالي فإن أسعار النفط لو انخفضت ووصلت إلى مستوى أسعاره في تسعينات القرن الماضي، فإن ذلك يمكن أن ينذر بعودة الأمور إلى حالة الخطر مرة أخرى.
إن تراجع العنف في الجزائر أصبح حقيقة واقعة، وهو ما يعني أنها استطاعت أن تقدم نموذجا ناجحا لمواجهة الإرهاب والعنف السياسي، وهو نموذج لا بد من دراسته لكي تستفيد منه دول أخرى تواجه نفس الخطر، خاصة وأنه مع تأسيس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، كانت هناك توقعات بأن تحدث طفرة في العنف ضد الدولة الجزائرية، ولكن ما حدث هو أن الجزائر استفادت من الحرب الأميركية ضد القاعدة، حيث حصلت على دعم مادي ولوجستي وعسكري في مواجهة هذا التنظيم، بما قلل من خطره وساعدها على مواجهته.