الوحدة المغيبة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الباهلي
منذ أكثر من نصف قرن ظهرت الكثير من الدعوات إلى ضرورة أن يعيد العرب توحيد أمتهم التي تحولت إلى دول متفرقة، خاصة أن كل عوامل الوحدة ومقوماتها تجتمع في هذه الأمة، سواء أكان ذلك في مسألة اللغة أو الدين أو الثقافة أو البشر أو الثروة أو الحضارة أو الجغرافيا والتاريخ. وقد طرح خلال هذه الفترة الكثير من الرؤِى والأفكار والتصورات التي سعت إلى التمهيد لهذا الطريق حتى لو اقتصر الأمر في البداية على وحدة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. وقد حدثت خلال هذه الفترة الطويلة بعض المحاولات التي جمعت بعض الدول العربية في إطار وحدة مصغرة كمدخل لتحقيق الوحدة الشاملة، لكنها لم تدم إذ لم تكن تنطلق في مضمونها من مفهوم الهدف الحقيقي للوحدة، لذلك فقد فشلت سريعاً. وينطبق ذلك أيضاً على الاتفاقيات الاقتصادية العديدة الموقعة منذ الخمسينيات بين الدول العربية، والتي هي الأخرى كان مصيرها الفشل.
لكن لماذا أخفق العرب في تحقيق حلم الوحدة الشاملة طوال أكثر من 60 عاماً؟
غالبية الأدبيات السياسية التي تناولت موضوع الوحدة العربية كانت تصل إلى نتيجة واحدة، وهي أن الأسباب تكمن في عاملين: داخلي وخارجي.
العامل الأول: كان له دور مؤثر في إفساد هذا التوجه لأسباب سياسية واقتصادية تتعلق بكل دولة على حدة، خاصة فيما يتعلق بموضوع التبعية المترسخة، حيث أصبحت إشكاليات العالم العربي لا تحل إلا بواسطة الخبرة الأجنبية والعقل الأجنبي. والأمر الآخر هو عدم وجود إرادة عربية حقيقية لتحقيق مثل هذا الهدف وتغليب كل دولة مصلحتها الذاتية على مصلحة الأمة.
العامل الثاني: يتمثل في اليد الخارجية التي تقف ضد الوحدة العربية، والتي عملت طويلاً على إجهاضها بكل الوسائل، وهذا أمر أشارت إليه دراسات كثيرة، لأن السياسة الغربية منذ حصول الدول العربية على استقلالها، تعمل على إفشال أي وحدة أو تقارب عربيين، إذ تفضل الدول الكبرى التعامل مع الكيانات الصغيرة لدول متفرقة. كما أن للشركات متعددة الجنسية دورا في ذلك، إذ على إضعاف التكامل الاقتصادي بين العرب، وإضعاف دورهم في الإسهام الصناعي والتكنولوجي.
وثمة مواقف رافضة للوحدة العربية، ولا تريد لها أن تحدث، رغم أننا نعيش في عصر لا يعترف بالكيانات الصغيرة، ولا يعترف إلا بالتكتلات الإقليمية والأمم القوية. والعرب بدون الوحدة العربية لن تكون لهم قوة أو موقع في هذا العالم. والتاريخ يؤكد على هذه الحقيقة حيث إن غالبية القوى التي أثرت في التاريخ كانت في بداياتها مجرد دول متفرقة وكيانات صغيرة، وبعد أن توحدت أصبحت أمما قوية لها وزنها وقوتها ودورها المؤثر في التاريخ والحضارة الإنسانية.
لماذا لا نستفيد مما حدث في أوروبا التي توحدت رغم كل الظروف. 27 دولة كانت منذ نصف قرن في حالة حرب، ذات مذاهب وعرقيات ولغات وثقافات مختلفة، لكنها اجتمعت تحت إطار المصلحة العامة بعد أن أدركت أنه لا مجال للقوة في عالم اليوم، إلا عن طريق التكتل والوحدة. لقد اندهش "كلاوس ليبرمان"، سفير الاتحاد الأوروبي، عندما سأله أحد الصحفيين العرب عن رأيه في السبب الذي يجعل ما حدث في أوروبا لا يحدث بين العرب رغم أن ما يجمعهم أكثر مما يجمع الأوروبيين، فأجاب: أنا مندهش فعلاً من عدم وجود اتحاد عربي قوي، لديكم أرض ممتدة وثروات مادية وبشرية هائلة ولغة واحدة ودين وتاريخ مشترك وحدود متلاصقة، وأيضاً تحديات ومشاكل متشابهة... فما الذي ينقصكم من عوامل الوحدة والاتحاد؟