مصر: إزدواجية المعارضة والطوارئ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله اسكندر
الشعب المصري لا يستأهل العيش في ظل حال طوارئ قانونية، مثله مثل اي شعب في اي دولة في العالم. ولا تخفف من مضمون حال الطوارئ القانونية الممدة التخريجات التي برعت الحكومة ونخبة الحزب الوطني الحاكم في تقديمها، خصوصا لجهة اقتصارها على مكافحة الارهاب والمخدرات ولجهة النفي القاطع لاستخدامها في الميدان السياسي. اذ ان مجرد لجوء الحكومة الى طلب تمديد الطوارئ سنتين اضافيتين ومصادقة مجلس الشعب (البرلمان) عليه، يعني ان ثمة قصورا في القوانين المدنية العادية وفي ادوات الدولة في مكافحة الآفتين. وكان يُفترض معالجة هذا القصور، بدل الحل السهل في تمديد حال الطوارئ التي هي بالتعريف معالجة استثنائية لوضع استثنائي، وهو وضع لا يختلف اثنان على انه غير قائم حاليا في مصر.لقد مرت فرصة سانحة، لمناسبة انتهاء الفترة السابقة لحال الطوارئ، لم تستفد منها حكومة الدكتور ظريف، ومن ورائها لجنة السياسات في الحزب الحاكم. كان يمكن ان تستغل المناسبة من اجل طرح القانون الموعود منذ اعوام لمكافحة الارهاب، بما يلغي الحاجة الى تمديد الطوارئ بتبرير مكافحته.ويحيل الحديث عن تمديد الطوارئ في مصر حاليا، الى استحقاقات مصرية داخلية مهمة، خصوصا انتخابات مجلس الشورى ومن بعدها انتخابات الرئاسة، وما تثيره من جدل واشاعات واستغلال، في ظل اجواء من الريبة والمطالب المعيشية المتزايدة واتساع رقعة الفقر والاعتراض. ومن السذاجة في مثل هذه الاحوال استبعاد الدور الذي يمكن ان يلعبه الامن السياسي في مثل هذه القضايا المدنية والاجتماعية والسياسية، خصوصا ان ثمة تراثا يتراكم منذ ثورة 1952 لضبط وتيرة الحركة الداخلية على ايقاع مصلحة السلطة.لكن مناسبة التمديد للطوارئ في مصر، تكشف في الوقت ذاته مدى القصور والعجز وانعدام الفعل لدى المعارضة المصرية في احسن الاحوال، والازدواجية والانتهازية السياسية وانعدام الصدقية في اسوأها.فهذه المعارضة، وعمودها الفقري جماعة "الاخوان المسلمين"، يكيلون الهجاء ليل نهار للسلطة المصرية. ويأخذون عليها في المقام الاول، اضافة الى اعتماد حال الطوارئ، قمع الحريات والاستغلال والعمل على التوريث ومنع تداول السلطة وتزوير الانتخابات. وهذه المعارضة لا تخفي في الوقت نفسه اعجابها وتأييدها لسلطات عربية يمكن ان تنعت بكل المآخذ التي تؤخذ على السلطة في مصر. السلطة في مصر تمدد الطوارئ علنا، وعبر مصادقة برلمانية وإن كانت شكلية. لكن تلك الدول العربية والجارة التي تمحضها جماعة "الاخوان" ثقتها وتشيد بمواقفها، تمارس عمليا الاحكام العرفية، حتى في بعض القضايا الجنائية والمدنية، ويشرف امنها السياسي على كل تفاصيل الحياة للمواطنين، بما يقضي على احتمالات التحول الديموقراطي وتداول السلطة، مطلب المعارضة المصرية.واكثر من ذلك، تعتمد هذه المعارضة، ومعها رديفاتها العربية، على منبر اعلامي يتبع لدولة لا تخفى رعايتها للاسلاميين وعدائها الصريح للسلطة المصرية واللجوء الى كل اشكال التضخيم والتحريض في قضايا الديموقراطية والحريات وتداول السلطة. وهي مفاهيم اكثر ما تكون بعدا عن ممارسات "الاخوان" ومتفرعاتهم ورعاتهم. كما يدافع هذا المنبر في الوقت نفسه عن الممارسات القمعية للسلطات الايرانية ويبرر لجوئها الى اعتماد كل الوسائل لاخراس معارضيها والقضاء عليهم ومنعهم من إسماع صوتهم. وكذلك يشيد بممارسات "طالبان" ومثيلاتها في العالم، مع كل ما تنطوي عليه هذه الحركات من ظلامية.فمثل هذه الازدواجية المنفرة في التعامل مع مصر ومع غيرها، تسقط عن المعارضات العربية، ومنها المصرية، اي صدقية. وتدفع الى الشك في نياتها، وهي المعجبة بنماذج سلطات اكثر قمعية وظلامية، من وراء الاستهداف المستمر للسلطة المصرية،. على اي حال، لا تزال السلطة في مصر تسمح بمناقشة علنية لسياستها، وللمعارضة بانتقاد هذه السياسة، رغم حال الطوارئ. في الوقت التي تعتبر السلطات في بلدان عربية ومجاورة، من تلك التي تثير اعجاب المعارضة المصرية، اي كلام في السياسة من نوع "الافساد في الارض"، وتطبق مبدأ الاستئصال عليه...