جريدة الجرائد

الاحتقان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بخيت

مرة في أمريكا, أخذنا منظمو المؤتمر إلى زيارة إحدى أكبر مزارع الخنازير في العالم. قبلها كنا قد زرنا أهم مصانع معدات الزراعة في العالم. ليس لي علاقة بالمصانع ولا علاقة لي بالزراعة ولكن المسألة أن المنظمين قرروا كشف وجه أمريكا الصناعي والزراعي. عظمة أمريكا. استمتعت بزيارة المصنع وكنت أظن أنني سوف أستمتع بزيارة المزرعة أيضا. من عادة أمريكا المبالغة في استخدام التقنية. سأرى تقنيات عجيبة ولكني رأيت عجائب الله في خلقه. خرجنا من المدينة . دخلنا الطرق البرية. دون مقدمات هبت علينا روائح مرعبة لم أشمها من قبل. أعوذ بالله . قبل أن نصل للمزرعة بعشرات الكيلومترات شعرت بالغثيان. كانت الرائحة كريهة بشكل لا يمكن تخيله. دخلنا منطقة الخنازير. هكذا قال قائد المجموعة. شعرت بالاختناق. تحملت. فرصة لأتعلم شيئا عن هذا الحيوان المجهول بالنسبة لي. تأملت في طريقة أكله وشربه وأسلوب حياته. يأكل كل شيء. لا أريد أن أذكر لكم ماذا يأكل. قال زميل مسلم من بنغلادش بكل بساطة: المفروض تصفية هذا الحيوان النجس من الوجود. رغم الغثيان شعرت بالفزع. سألته لماذا؟ فقال: قذر ونجس ومحرم أكله. فكرت في الأمر. راجعت تاريخ علاقتنا بالكائنات. لم يأت في تعاليم الإسلام ما يشي بأن نقتل الخنزير إذا رأيناه. حرام أكله فقط. لمجرد أنه قذر ومحرم لحمه أصبح من الواجب قتله وتصفيته. يا إلهي! حاولت أن أشرح له وجهة نظري. هذا جزء من الطبيعة. نتركه في بيئته. ليس بيننا وبينه عداوة. اتضح لي أن الرجل يعكس ذهنية كثير من المسلمين الأميين الذين عبثت في سليقتهم دعاوى المتشددين. من السهل أن يجد له شيخا يبرر له هذا. لا نعرف كيف نقف عند حدود تعاليم الدين. حتى الكائنات الخطرة كالثعابين يجب أن تبقى وأن تعيش بسلام. الله أعلم بخلقه.

بصحبة أحد المعارف زرت مريضا في مستشفى. في إحدى الممرات شاهدنا شابا ينساب شعر رأسه حتى يصل إلى صدره في صورة جدائل. كان منظر الشاب قبيحا. قال صاحبي: شف هاالتافه. ضحكت. أخذت الأمر كمسألة عامة. حديث عابر عن الأشياء الملفتة للنظر. لكن صاحبي فاجأني قائلا: وين الهيئة عنه. قلت باستغراب وش دخل الهيئة في الموضوع. فقال بجدية: أجل كذا يطلع الواحد للشارع. هذولا مفروض يأدبونهم. تذكرت على الفور قاتل الخنازير البنغلاديشي. سألته وش علاقتك بهذا الشاب؟ إذا كان منظره لا يعجبك فقد يكون منظرك لا يعجبه. هل له الحق أن يتدخل في طريقة لبسك أو أسلوب مشيتك؟ ولكي يغطي عجزه عن الإجابة التفت نحو الدين (تشبه بالنساء) وغير ذلك من مبررات التدخل في شؤون الآخرين والاعتداء على خصوصياتهم. حاولت أن أشرح له: هذا شأنه هو وشأن أهله أو المدرسة على الأكثر. ليس لك ولا لي ولا للحكومة علاقة بالموضوع. عجز عن أن يفهم كلامي. نفس طريقة تفكير البنغلاديشي. التحول إلى سلطة وقانون وعنف. علاقتنا مع هذا العالم متوترة. إذا عجزنا عن القتل نضطر أن نكتفي مؤقتا بالقمع.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف