حتى لا يغرق الجميع في طوفان النفط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عيد بن مسعود الجهني
في تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير الصادر في الثاني عشر من هذا الشهر، والذي تزامن مع تقرير منظمة "اوبك" الذي صدر قبل يوم واحد، زادت الوكالة تقديراتها لنمو الطلب على النفط بواقع 50 ألف برميل يومياً عن تقديراتها للشهر الماضي، وفي الوقت نفسه ما زالت تتوقع أن الطلب على النفط لهذا العام سيبلغ 86.4 مليون برميل يومياً، في الوقت الذي خفضت الوكالة التي تدافع عن مصالح الدول الصناعية الطلب على نفط "أوبك" الخام بواقع 400 ألف برميل يومياً لهذا العام.
ومعروف أن الوكالة دائماً ما تحث "اوبك" على زيادة إنتاجها، سواء كانت الأسعار نالت نصيباً كافياً من الارتفاع، أو على العكس من ذلك، وهذا هو هدف (IEA)، فهي قامت أصلاً في أوائل السبعينات من القرن المنصرم على اثر الهزة النفطية الأولى، لتقف في وجه "اوبك" وتحد من سيطرتها على السوق، وقد نجحت في جولات عدة، وسيبقى الصراع بين "اوبك" والوكالة ما دامت هناك نقطة من نفط، فالكل سيدافع عن مصالحه في ساحة النفط العالمية، وهو دفاع يبدو مشروعاً!
هذه النظرة لوكالة الطاقة في شأن نمو الطلب العالمي تقابلها تقديرات لمنظمة "اوبك" وإدارة معلومات الطاقة الأميركية على رغم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها اليونان، من خلال أزمة ديونها السيادية والتي قد تمتد عاصفتها الى دول أوروبية أخرى، على رغم أن الاتحاد الأوروبي هب لإنقاذ اقتصاد ذلك البلد بعشرات البلايين من العملة الأوروبية (اليورو)، وتسلمت اليونان بالفعل 20 بليون يورو دفعة أولى، وعلى رغم هذه التداعيات فإن "اوبك" في تقريرها الشهري الأخير رفعت توقعاتها لحجم الطلب العالمي على النفط في هذا العام!
وتقدر "اوبك" حجم الاستهلاك العالمي من النفط لعام 2010 بحوالى 85.3 مليون برميل يومياً. وتورد أسباباً لهذا التحسن، في مقدمها أن الاقتصاد العالمي يشهد تحسناً بوتيرة ثابتة، ناهيك أن الاقتصاد الصيني سيزيد طلبه من النفط بحوالى 50 ألف برميل لهذا العام، ما يعتبر محركاً أساسياً لنمو الطلب، وبذا فان "اوبك" تذهب في تقريرها الأخير إلى القول أن نمو الطلب على النفط في 2010 سيبلغ حوالى 1.1 في المئة، ومن جانبها ترى وكالة الطاقة الدولية أن القاعدة الأساسية لنمو الطلب على نفط "اوبك" هي من دول شرق آسيا، خصوصاً الهند والصين اللتين يقود اقتصادهما المتين ارتفاع مسيرة نمو الطلب على النفط. ومن يحلل توقعات "اوبك" ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية وتوقعات المراكز المتخصصة، يرى أن أسعار النفط التي بلغت 87 دولاراً للبرميل، وكانت في طريقها الى بلوغ 100 دولار للبرميل، يجد أن الأسعار مع هذه التوقعات لنمو الطلب عادت لتأخذ مسيرتها نحو النزول.
ويعود عدم ارتفاع أسعار النفط في فترة الصيف الى عوامل، منها أن منظمة "اوبك" التي تطمح إلى أسعار عادلة لضمان استقرار سوق النفط الدولية، يخرق بعض أعضائها الحصص المقررة لهم والتي تعاهدوا على الالتزام بها، وفي مقدمهم إيران وفنزويلا وأنغولا، حتى انحدر التزام الأعضاء في "اوبك" إلى 51 في المئة ليبلغ ما تم ضخه في سوق النفط الدولية 29.25 مليون برميل يومياً باستثناء العراق الذي يبلغ إنتاجه حوالى 2.5 مليون برميل يومياً.
وتبرز مخزونات النفط لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتضيف سبباً آخر يقف في وجه ارتفاع الأسعار على رغم التسرب النفطي الكبير من منصة حفر تابعة لشركة (بي بي) في خليج المكسيك قرب الشواطئ الأميركية، ناهيك عن أن "اوبك" تضخ نفطاً يزيد على حاجة سوق النفط الدولية، وبالتالي تنخفض الأسعار وتنتهز الدول الصناعية الفرصة لتزيد من مخزوناتها النفطية، إضافة إلى زيادة حجم النفط المخزن في ناقلات نفط بحرية، كما أن تعافي الاقتصاد العالمي لا تزال تلفه الضبابية وهذه عوامل أساسية تحد من مسيرة ارتفاع الأسعار!
وإذا كانت "اوبك" قدرت حجم المعروض من الدول المنتجة للنفط خارج المنظمة بـ 51.6 مليون برميل يومياً أي بزيادة 140 ألف برميل يومياً عن تقديرات المنظمة في تقرير الشهر الماضي، فإن هذا يبرز مدى هشاشة سوق النفط الدولية، فـ "اوبك" لا تلتزم بسقف الإنتاج الذي حددته لنفسها، والدول خارج "اوبك" تنتج كل برميل تستطيع إنتاجه، وبذا تصبح سوق النفط الدولية في مهب الريح، تتنازعها "اوبك" والدول المنتجة خارجها، وشركات النفط الكبرى، والدول المستهلكة، من دون تنسيق بين هؤلاء اللاعبين الكبار، والنتيجة هي خروج السوق من الاستقرار إلى حالة من عدم الاستقرار، وبالتالي تتأذى مصالح الجميع.
وهكذا يبدو انه من المهم أن يقف أعضاء "اوبك" صفاً واحداً لوقف هذا الإغراق النفطي في سوق البترول الدولية فالجميع هم ركاب سفينة واحدة، ومصيرهم واحد، وإذا تعمد أحد ركاب السفينة تجاوز حصته، وهذا هو الحاصل للأسف اليوم، تكون المحصلة هي غرق الجميع في طوفان النفط، ويدرك أعضاء "اوبك" أن مصالحهم واحدة وأن الدول المستهلكة التي ترعى مصالحها وكالة الطاقة الدولية تتربص بـ "اوبك" منذ زمن بعيد.
ولأن أعضاء "اوبك" يدركون تلك الحقيقة، فإن مؤتمر الطاقة العربي التاسع الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة أخيراً وأنهى أعماله في 12 أيار (مايو) الجاري دعا في توصياته إلى حوار بين منتجي ومستهلكي النفط، لتعزيز الحوار بين هذه الدول والأطراف الرئيسية ذات العلاقة المباشرة في صناعة النفط، ولا شك في أن المؤتمر يدرك أهمية الحوار بين المنتجين من "اوبك" والدول المنتجة خارجها، ولذا جاءت هذه التوصية لتعكس توجهات المؤتمر المخلصة نحو الحوار لمصلحة الجميع.
والحوار بين المنتجين من أعضاء "اوبك" والدول المنتجة خارجها وفي مقدمها بالطبع روسيا والمكسيك والنرويج وغيرها له أهميته القصوى، فالجميع في قارب واحد يواجهون الدول الصناعية المستهلكة التي تتولى وكالة الطاقة الدولية الدفاع بشجاعة عن مصالحها ونجحت خلال العقود الماضية في كبح جماح "اوبك" في معظم المنازلات التي حدثت بين الجانبين.
فالحوار هو الطريق التي يصل من خلالها الطرفان إلى سوق دولية للنفط مستقرة يضخ إليها ما تحتاجه من النفط من دون اللجوء إلى الإغراق ليزيد عن حاجتها وبالتالي تتدنى الأسعار، بل قد تنشب حرب أسعار، ولذا فان هذه الدول بتعاونها يمكنها أن تحدد إلى حد كبير مؤشرات الطلب على نفوطها في المستقبل القريب على الأقل وبذا تضمن سعراً عادلاً للمنتجين والمستهلكين، وسوقاً نفطية مستقرة تحقق مصالح الجميع منتجين ومستهلكين.
وهذا التعاون من خلال الحوار بين المنتجين والمستهلكين فيه تهدئة للعواصف التي تهب على سوق البترول الدولية، وفيه إقناع للدول المنتجة خارج "اوبك" بتحمل مسؤولياتها لخلق سوق بترول دولية مستقرة، وفيه أخيراً ضمان لإبحار سفينة "أوبك" في أمن لتصل إلى بر الأمان.