برنامج إيهود باراك السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
برهوم جرايسي
بعد صمت سنوات، أفصح وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك، في الأيام القليلة الماضية، عن طبيعة برنامجه السياسي، بصفته رئيساً لحزب "العمل"، الذي يعتبر الحزب "المؤسس" لإسرائيل، وكان يتناوب على سدة الحكم، إلى أن بدأ مسيرة انهياره نحو الاضمحلال، ليكشف باراك عن أن برنامجه السياسي في ما يتعلق بالحل الدائم مع الفلسطينيين، ما هو إلا برنامج اليمين المتطرف، ولكن بالأساس برنامج المؤسسة العسكرية الأمنية.
فقد قال باراك في اجتماع لكتلة حزبه "العمل" في الكنيست الإسرائيلي إن الحل يجب أن يشمل الأسس التالية: "تمرير حدود في أرض إسرائيل التاريخية، (فلسطين التاريخية)، على أسس أمنية وديمغرافية، في حين يكون في جانب واحد دولة يهودية ذات أغلبية يهودية واضحة وصامدة لأجيال، وفي الجانب الثاني دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ذات قدرة على الحياة الاقتصادية والسياسية، وفي حل كهذا فإن الكتل الاستيطانية الكبيرة ستبقى في نطاق إسرائيل، في حين أن مسألة اللاجئين يجب حلها في الدولة الفلسطينية، أما مسألة القدس فيتم الاتفاق حولها في إطار الحل الدائم، ويُعلن في الاتفاق عن انتهاء الصراع والمطالب المتبادلة"، حسب تعبير باراك.
وهذا يعني أن حزب "العمل" بزعامة إيهود باراك، أنهى كليا الحديث عن دولة فلسطينية "على أساس حدود 1967 مع تعديلات"، حسب برنامجه السابق، وعاد ليتحدث عن "أرض إسرائيل الكاملة"، فحين يتحدث باراك عن حدود على أساس ديمغرافي، فإنه عمليا يدعو إلى إقامة كانتونات أو غيتوات فلسطينية، أي تجمعات مغلقة ومنفصلة عن بعضها، وهذا أول برنامج ظهر به الليكود منذ سنوات التسعينيات.
كذلك فإنه حينما يتحدث باراك عن دولة "ذات أغلبية يهودية صامدة" فإنه يطرح من جديد مشروع تبادل بين فلسطينيي 48 وعصابات المستوطنين، خاصة أن هذا المشروع قبل أن يتبناه العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان، كان قد ظهر لأول مرة في صفوف حزب "العمل" في العام 1999، في أوج المفاوضات مع الفلسطينيين.
وحين يتحدث باراك عن حدود على أسس "أمنية"، فإنه يقصد بذلك أن لا يكون للكيان الفلسطيني أي حدود مع العالم الخارجي، وأن يبقى جيش الاحتلال يحاصر الكيان الفلسطيني المستقبلي من الجهات الأربع والجو والبحر.
أما في موضوع اللاجئين فإن هذا موقف حزب "العمل" سابقاً وحالياً، وكذا الأمر بالنسبة للقدس المحتلة.
قبل الحديث عن أجندة باراك شخصيا، يجدر التوضيح أن حزب "العمل"، هو الحزب "المؤسس" لإسرائيل، وهو الذي وضع ثوابت السياسة الإسرائيلية التي تعمل وفقها المؤسسة الإسرائيلية وحتى اليوم، وهو الذي شن كل الحروب الاحتلالية، ودعم لاحقا كافة الحروب الأخرى التي شنتها حكومات لم يكن يشارك بها، إلا أنه حسب التصنيف الإسرائيلي فقد تم وضع حزب "العمل" في خانة اليسار الصهيوني، لكونه عضواً في "الاشتراكية الدولية".
ولكن السبب الأهم، هو أن مجموعات تُعتبر يسارا صهيونيا، ولها مواقف معتدلة نسبيا، وهي أقرب نسبيا لآفاق حل الصراع الإقليمي تغلغلت مع السنين في حزب "العمل"، أو أنها كانت تتحرك في فلكه، مما خلق انطباعا بأن حزب "العمل" هو الحزب الشريك للعملية السلمية، فرغم أنه شق طريقها، إلا أنه عمل أيضا على عرقلتها.
أما إيهود باراك، فقد وصل إلى الحزب بعد أن خلع بزته العسكرية، بنهاية ولايته كرئيس لأركان الحرب، ومعروف عنه دمويته وشراسته، واشتراكه الشخصي بجرائم الاغتيال، وتسلل باراك بصفته جنرالا إلى قيادة الحزب، ورأس الحزب في المرّة الأولى في العام 1997 حتى شتاء العام 2001، ثم عاد رئيسا للحزب في صيف العام 2007 وحتى اليوم.
ولكن منذ المرّة الأولى، كانت أجندة باراك هي أجندة المؤسسة العسكرية الأمنية، التي سعت إلى تفجير المفاوضات والاتجاه نحو انفجار حربي، كما كان في خريف العام 2000، سعياً لخلط الأوراق، وإبعاد إسرائيل عن تقديم أجوبة للمسألة الجوهرية في الحل الدائم، وقد نجح باراك في تلك السنوات بهذا المخطط، وعاد ليثبته أكثر في هذه السنوات، بمعنى فعل كل شيء من أجل إبعاد إسرائيل عن مفاوضات حقيقية وحل دائم، بهدف الحفاظ على الوضع القائم، طالما أنه يخدم المصلحة الإسرائيلية.
وهذا النهج خلع عن حزب "العمل" طابع الحزب "البديل" لحزب "الليكود"، وبدأ حزب "العمل" منذ العام 2001 يتلقى ضربات تلو الضربات في كل انتخابات برلمانية، حتى هبط في الانتخابات الأخيرة إلى مستوى الكتلة الرابعة بحصوله على 13 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وتشير كافة استطلاعات الرأي إلى أنه في أي انتخابات مقبلة فإن هذا الحزب سيهبط إلى 7 أو 8 مقاعد، ليصبح كتلة برلمانية صغيرة هامشية، وهذا بعد أن كان يحصل في الماضي وحتى منتصف سنوات التسعين الماضية، على ما بين 44 مقعدا وحتى 49 مقعدا.
حزب "العمل" بزعامة إيهود باراك، في طريقه إلى الاضمحلال كليا، في حال لم يحدث فيه انقلاب جدي على باراك، الذي يسيطر حتى الآن على الجهاز التنظيمي فيه، وقد أخلى "العمل" مكانه كحزب "بديل" لحزب "كاديما" بزعامة تسيبي ليفني، الذي انشق في خريف العام 2005 عن حزب "الليكود"، ولكن غالبية نواب "كاديما" في الكنيست، ما تزال تتمسك بالمواقف اليمينية المتشددة، ولكن باختلاف صيغة الخطاب، وفي مقدمة هؤلاء زعيمة الحزب تسيبي ليفني.
بالإمكان القول إن رسم الخارطة الحزبية في إسرائيل، في هذه المرحلة، يستوجب إسقاط حزب "العمل" من حسابات موازين القوى الجدية، لأنه وفق الظروف القائمة وحتى للمدى الأبعد، فإن حزب "العمل" أنهى دوره في دائرة التأثير المركزية.