العراق : رواج المخدرات وراءها الحروب والبطالة والأمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بغداد - سها الشيخلي
على الرغم من ان قانون العقوبات العراقي ينص على عقوبة الاعدام لمن يتعاطى او يتاجر بالمخدرات بكل انواعها الا ان خلو العراق من هذه المادة الخطيرة لا يمكن الجزم به لا في السابق ولا في الوقت الحاضر، فاذا ما علمنا ان النظام السابق كان يعتم على تجارة وتداول كل انواع المخدرات لامور سياسية وتنظيمية نجد العراق بعد فتح الحدود الان قد غض النظر عن اماكن وجود تجار ومروجي هذه البضاعة الخطرة التي تستهدف الاعمار الشابة التي يعول عليها في بناء الوطن،
ويرى الباحثون ان من اعقد المشاكل التي ستواجه الحكومة المقبلة هي مشكلة السيطرة على المخدرات تجارة وتداولا مع العلم ان العراق صار ممرا رئيسيا لهذه المادة الخطيرة وان الرقعة الجغرافية لسير تلك البضاعة هي دول الجوار والقصبات العراقية الحدودية التي تبدأ من المثلث الإيراني ـ التركي في اقصى الشمال حيث تمتد سلسلة جبال يسهل عبرها عملية تهريب المخدرات بكل انواعها وصولا الى مدينة الشلامجة المدينة المحاذية للحدود الايرانية وكذلك منطقة الاهوار التي تشكل اكبر ممرات لتهريب المخدرات في الوقت الحاضر.
إحصاءات وأرقام
في مسح اجرته وزارة الصحة شمل 10 محافظات عام 2008 تم احصاء 1462 حالة ادمان، بلغ عدد الذكور فيها 1410 فيما بلغ عدد النساء 52 وقد وزعت الحالات بواقع 61 حالة ادمان تحت عمر 17 سنة و1401 فوق عمر 17 سنة فيما بلغت حالات الرقود 180 حالة فقط، وسجلت محافظة بغداد عدد المدمنين 468 حالة منها 26 حالة من الاناث تلتها ثانية محافظة البصرة حيث سجلت فيها 329 حالة ادمان والنجف ثالثة 249 تلتها المحافظات الباقية، ويعد الادمان الدوائي هو المشكلة الاكبر في العراق حيث بلغت نسبته 74 % والحشيش بواقع 4و1%، وقد سجلت اخر الإحصاءات عن برنامج مكافحة المخدرات عن حدوث حالات وفاة ناجمة عن تعاطي المخدرات في محافظات بغداد وكربلاء وبابل وميسان وان هناك 6037 متعاطيا للمخدرات في المحافظات ففي محافظة كربلاء هناك 679 متعاطيا وميسان 286 وفي بغداد وصل عدد المدمنين الى 717 فيما سجلت محافظة كركوك 240 متعاطيا.
اعتراف الوزير
واعترف وزير الصحة أول مرة ان العراق يواجه تحديا خطيرا بعد ان اصبح ممرا للمخدرات القادمة من ايران وافغانستان، مرورا بدول الخليج واوربا، ويؤكد الاعتراف الرسمي من خلال وزير الصحة ان افة المخدرات والمواد ذات التاثير النفسي اصبحت عاملا اخر يضاف الى طرق الموت العديدة التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم، وتنذر بتخلي العراق عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية ودمار اخر يزيد من اعباء الحكومة المقبلة. وفي دراسة اعدتها وزارة الصحة عن واقع المخدرات ان تعاطي المخدرات له مردودات سلبية على الاسرة ويزيد من معدل الجريمة، واوضح الحسناوي ان وزارته وحدها لا تستطيع ان تفعل شيئا، وكشف عن تشكيل لجنة سميت (الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات) بمشاركة عدد من الوزارت وبرئاسته، وستعمل تلك الهيئة على جمع المعلومات عن حجم المشكلة بعد انشاء مركز للمعلومات في وزارة الصحة.
مافيا المخدرات
وعن اسباب تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في العراق اوضح لنا الباحث في مركز البحوث التربوية والنفسية الدكتور (و - ك) حيث قال:
تورط المهربين مع المافيا العالمية المروجة للمخدرات بكل اشكالها وخاصة العقاقير منها والتي تعج بها الصيدليات في العراق والتي تعد العقار لمرضى الصرع وهما العقاران (تكرتول، ريفوتريل) ومع ارتفاع ثمن كل من العقارين المذكورين الا ان بعض أصحاب الصيدليات الذين (لا يملكون الضمير) ولا الحرص على الشباب المدمن يبيعون تلك الحبوب بالمفرد لتسهيل تصريف تلك العقاقير وبسعر (خمسة الاف دينار لكل حبة) اضافة الى عقاقير اخرى مهدئة منها الفاليوم، ويشير الباحث الى ان الحال قد انجر دون تخطيط مسبق الى المافيا العالمية التي تروج للمخدرات، ويعزو الباحث سبب ذلك الانجرار الى تردي المستوى الاقتصادي والاجتماعي وتفشي كل من البطالة والامية حيث ان العراق طوال عقود حكم النظام السابق قد خاض حروبا دموية طويلة الامد راح ضحيتها العديد من ابناء الوطن الذين دفعوا فاتورة اخطاء ذلك النظام اضافة الى اعمال التهجير القسري والقبور الجماعية كل ذلك ادى الى تدهور حياة الكثيرين وفسح الطريق امام تجارة المخدرات وتعاطيها ايضا، ولم يتوقف الامر عند ذلك بل بعد سقوط النظام جاءت الحروب الاهلية والطائفية والقتل على الهوية واعمال الارهاب حيث فقدت معظم العوائل معيلها وتفشت البطالة بين صفوف المواطنين بعد ان حل النظام الجديد اغلب الدوائر الامنية والجيش ووزارة التصنيع العسكري والاعلام وتو قفت الحياة الا قتصادية ما اسهم في لجوء البعض الى المتاجرة بالمخدرات او تعاطيها للحصول على مورد الرزق من جهة ولنسيان الهموم والمشاكل من جهة أخرى.
مساوئ البطالة
ويخلص الباحث الى القول الى ان الحكومات المتعاقبة لم تلتفت الى مساوىء البطالة بل اهتمت بالملف الامني مع العلم ان الارهاب قد جند العاطلين عن العمل اما كانتحاريين او منفذين لعمليات ارهابية عديدة، وان سوء تقدير الحكومات المتعاقبة قد ساهم في انتشار ظاهرة البطالة فلو عمدت تلك الحكومات على تشجيع القطاع الخاص واعادة الحياة لمعامل القطاع العام لامكن امتصاص البطالة التي لم تفصح عنها الإحصاءات الرسمية بشكل دقيق حالها حال اغلب الإحصاءات الأخرى حيث من الصعب الاستناد الى الأرقام المعلنة لعدم دقتها فنسبة البطالة المعلنة هي 23 % من مجموع السكان في حين واقع الحال يشير الى ان الرقم المعلن هو غير صحيح مطلقاً، كما ان الهجرة من الريف الى المدينة قد ركزت العمالة في العاصمة فقط برغم التدهور الأمني الذي شهدته السنوات السابقة، وبرغم قلة فرص العمل فيها واشار الباحث ان كل انواع الاحصاءات المتوفر ة الا ن غير دقيقة ولا يمكن الركون اليها وهذه من اهم معوقات اعداد التقارير بكل انواعها، ونشط الثالوث المرعب الذي يعد من اركان تعاطي المخدرات سواء كان للاستهلاك او للتجارة او للتهريب، وهذا الثالوث المعروف هو (الفقر، المرض، الجهل).
ممرات لتهريب المخدرات
وأورد التقرير الخاص بالباحث (و - ك) ان هناك ممرين رئيسيين نحو العراق الذي تحول الى مخزن تصدير مافيا المخدرات، مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة، فالعصابات الايرانية والافغانية تستخدم الممر الاول عبر الحدود الشرقية التي تربط العراق بايران، اما مافيا تهريب المخدرات من منطقة وسط اسيا فتستخدم الممر الثاني الذي يسير عبر اقليم كردستان وصولا الى اوربا الشرقية إضافة الى ذلك فهناك ممرات بحرية واقعة على الخليج الذي يربط دو ل الخليج بعضها مع بعض، ويضيف التقرير المذكور ان العراق لم يكن محطة (ترانزيت) لمرور المخدرات فقط، بل صار منطقة تهريب وتوزيع لاغلب تجار المخدرات في شرق اسيا الذين يوردون بضاعتهم الى العراق، وبعد ذلك تشحن الى شمال العراق ومن هناك الى تركيا ودول البلقان واوربا الشرقية ومنها بلغاريا التي تعد من اكبر مراكز التهريب في المنطقة ثم الى افريقيا بكل اقسامها (الوسط والجنوب والشمال) اضافة الى دول الخليج، ويوضح التقرير ان تجارة المخدرات في العراق قد شهدت التنظيم والاستقرار خلال السنتين الاخيرتين وصارت اكثر تنظيما من خلال وجود شبكات مسلحة تجند مجموعات عراقية من العاطلين عن العمل، وباشراف عصابات يغذيها تجار مهرة ذوو باع طويل في ممارسة هذه التجارة كان ولا يزال مقرها في احدى دول الجوار، والذين يحمل بعضهم الجنسية العراقية بفضل مكوثهم في العراق اما للتجارة او لزيارة الاماكن المقدسة، وقد تم ضبط كميات كبيرة من المخدرات قدرت اثمانها ب25 مليون دولار داخل احد الحصون الاثرية بعد خوض اشتباك مسلح مع افراد العصابة المسلحة الذين كانوا يقيمون داخل ذلك الحصن بعد ان اتخذوه مخزنا للاسلحة والمخدرات والتي كانت في طريق عبورها الحدود متجهة الى احدى دول الجوار، وفي بغداد احبطت عدة محاولات لتهريب كميات كبيرة من مادة الكوكائين في مناطق متفرقة من بغداد واهمها القاء القبض على سيارة محملة بكمية لا يستهان بها من مادة الكوكائين في منطقة التاجي.
مستشفى الرشاد
وأوضح احد العاملين في مستشفى الرشاد للامراض النفسية وهو اكبر مستشفى متخصص في العراق (رفض ذكر اسمه) ان مشكلة تعاطي المخدرات بعد الاحداث الاخيرة باتت تتفاقم بوتيرة متصاعدة وان هناك كميات كبيرة من الماريجونا والكوكائين والهيروين بدأ ت تتدفق على العراق من مناشىء عديدة وان الحد من ذلك التدفق يتوقف على مدى جاهزية وامكانية وزارة الداخلية الجهة المسؤولة بالدرجة الاولى عن الحد من هذه الظاهرة، وان مناطق العراق كافة بما فيها العاصمة تتاجر وتتعاطى كل انواع المخدرات بدون استثناء ويخطأ من يظن ان الدرجات متفاوتة بين مادة واخرى حيث يحدد المستوى المعيشي والاجتماعي والاقتصادي نوع المادة المتداولة للمتعاطي، وقد اوجد تجارة وتعاطي كل انواع المخدرات الفقر الذي يعيشه ابناء البلد اضافة الى الانفلات الامني وتنامي مافيا المخدرات وبقائها برغم التحسن الطفيف الذي تعيشه المدينة الان، ويخلص المتحدث الى القول الى ان اغلب النزلاء في المستشفى هم من السجناء السابقين الذين اطلق سراحهم في الاونة الاخيرة وان ظاهرة تفشي المخدرات في السجون قديمة لكنها ازدادت بعد الاحداث الاخيرة وتسربت معلومات من وزارة الصحة عن اتلاف اكثر من 800 كيلو غرام من المخدرات المرسلة من شعبة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية وبعد دخول قوات التحالف تعرضت المخازن الى عمليات التفتيش وتم اخذ المخدرات الى جهة مجهولة بدون اعلام الجهات المختصة، ولا نعلم ما اذا كانت قد بيعت في السوق السوداء او تم اتلافها او تعاطيها؟.
في البتاويين
أوصلتنا مهنة المتاعب الى ابعد واخطر النقاط ليس الان بل منذ ان دخلنا معتركها، ومن جملة تلك الاماكن منطقة البتاويين التي كانت وما زالت بؤرة موبوءة فمن دعارة إلى مخدرات إلى مأوى لأرباب السوابق من المجرمين المحترفين، ليعذرني الآخرون فليس كل المنطقة ينطبق عليها ذلك الوصف بل بعض ازقتها التى دخلتها بالمصادفة قبل أكثر من 15 سنة باحثة عن حلول لازمة السكن بعد ان دلني احد الزملاء ان هناك بيوتا في منطقة البتاويين تؤجر غرفا لعوائل تبحث لها عن مأوى وتضم تلك الغرف احيانا اكثر من 25 فردا، وجدت ان تلك الغرف المشار اليها انما اصبحت مأوى لكل شيء، وكتبت حينها عن ازمة السكن وارتفاع معدلات الايجار واشرت بتلميح الى تلك الافعال التي تمارس في الخفاء، الا ان جهات معنية عدت تلك الإشارة مساساً بكرامة بغداد وان على الصحافة ان لا (تنشر الغسيل الوسخ) أمام الجميع بل ان تتستر على الاخطاء والتجاوزات، وبقيت تلك الازقة ومهامها تحتل الذاكرة الى ان تغير النظام، وفتحت الابواب على مصاريعها في ممارسة (الممنوعات) وبحرية كبيرة خاصة بعد ان انشغلت الجهات المعنية عن متابعة تلك الامور بالملف الامني، وبذلك قصدت ذلك البيت الذي دخلته قبل 15 سنة باحثة عن امرأة مهجرة اسمها (س - ق) بعد ان علمت ان هناك من يتعاطى تجارة وتهر يب المخدرات، ذهبت الى هناك بصحبة احد المعارف الذي يعمل سائق سيارة اجرة في المنطقة ذاتها، والذي اخذ على عاتقه لقائي باحد تجار الهيرويين، بحجة انني اريد الدخول الى ذلك المعترك الغريب والخطركتاجرة، الا ان ذلك التاجر قد غادر المكان منذ يومين كما قالوا لي، وتقدم مني (احد النزلاء وهو شريكه في العمل) و اخبرني ان الذي ابحث عنه ذهب الى الشمال لامور خاصة بتلك التجارة وان هناك عصابات تطاردهم وهم تجار الحشيشة التي اخذ دورها ينحسر بعد ان شاع استخدام العقاقير لصعوبة تهريب الحشيشة لكونها معروفة لدى سيطرات المناطق الحدودية بعكس العقاقير التي تدخل بحجة انها من ادوية الامراض المزمنة و بطريقتين الاولى تخفى فيه تلك العقاقير في فراغات المحرك وفي اماكن خفية من الشاحنة و الطريقة الثانية تحت المواد الغذائية في الشاحنات الناقلة للمواد الغذائية، وعن السيطرات العديدة التي تنتشرفي طريق توصيلها الى منطقة البتاويين يقول ضاحكا ان (الفلوس تسكت الجميع). وعن الارباح التي من الممكن ان يحصل عليها تجار هذه المواد قال بسذاجة انها على الارجح (مغامرة خاسرة)! اردت ان اقول له ان كل المغامرات هي بالتاكيد خاسرة، لككني اثرت السكوت.
حديث المدمنين
وفي فناء تلك الدار وجدنا احد الرجال يغني بصوت شجي احدى اغاني الريف، كان يبدو في العقد الرابع من العمر، وعندما سالنا عن ذلك كان الجواب انه احد المدمنين الذي يسكن تلك الدار والذي يتناول العقاقير بكل انواعها، تقدمنا منه والقينا التحية، الا انه ضل مواصلا غناءه لذلك اللحن الشجي، وبعد ان اكمله سألته ان كان يجد المتعة في تعاطي المخدرات، فقال:
وهل تستحق الحياة ان يكون فيها الواحد منا صاحيا؟
* ما الذي تعانيه بالضبط؟
- اعاني كل شيء، بل اعاني الحياة نفسها..
* هل ترى انك على صواب؟
- كل الصواب
ولما وجدت ان لا جدوى في الحديث مع ذلك الرجل تركته لهمومه
وفي الفناء نفسه كان شابا لا يتجاوز عمره العشرين عاما يغفو وقد علا شخيره، مع ان الوقت كان ضحى، وعندما سألت مرافقي عن امر ذلك الشاب، قال انه من مدمني المخدرات، وانه بعد ان يئس من إيجاد عمل له تلقفته هذه الازقة ليكون احد روادها.