جريدة الجرائد

الصحافة العربية...قلقة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد الحمادي


تعاني الصحافة العربية من "قلق" شديد، هذا ما يمكن أن نصف به حال الصحافة العربية. فمنذ سنوات مضت صار الصحفي العربي يعاني من ذلك القلق وإن كان قلقاً يتفاوت من بلد لآخر إلا أنه موجود يطل بوجهه المزعج كل يوم ومع طباعة كل طبعة من الجرائد العربية. وتمثل قلق الصحافة العربية خلال الأسبوعين الماضيين وتجلى بشكل واضح في أمرين؛ الأول هو إستقالة جمال خاشقجي رئيس تحرير جريدة "الوطن" السعودية التي تعتبر واحدة من الصحف الأكثر ليبرالية وانفتاحاً في المملكة العربية السعودية والخليج. أما الأمر الآخر فهو سجن الكاتب والصحفي الكويتي محمد عبد القادر الجاسم من قبل النيابة العامة بحجة إساءته للقيادة السياسية في الكويت من خلال بعض كتاباته التي "مر عليها وقت طويل". وأتت هاتان الحادثتان الخليجيتان متزامنتين مع احتفالات العالم باليوم العالمي لحرية الرأي وحرية الصحافة وحرية الكلمة والذي يصادف الثالث من مايو من كل عام.

والمثير للاهتمام أن هذا جاء قبل وأثتاء وبعد انعقاد أربعة اجتماعات صحفية وإعلامية عربية مهمة الأول هو "الملتقى الإعلامي العربي" في الكويت، والثاني "منتدى الإعلام العربي" في الإمارات بدبي، والثالث الجمعية العمومية والمؤتمر السنوي الثاني لاتحاد الصحافة الخليجية الذي عقد في البحرين، والأخير منتدى قناة "الجزيرة" السنوي الخامس. وكان واضحاً أن أياً من هذه المنتديات لم يناقش- إلا بشكل عرضي- مسألة وضع الصحافة العربية وأسباب القلق الذي تعيشه والذي يعيشه الصحفي العربي بشكل عام، الأمر الذي أثر على مستوى الصحافة. وبطبيعة الحال لم يناقشوا بشكل جدي وضع الصحفيين المذكورين، ولم يصدر عنهم أي موقف واضح تجاه هذه القرارات التي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التراجع في مستوى الصحافة الخليجية ومزيد من القلق الصحفي!

والغريب أنه على الرغم من أن منتدى الإعلام العربي في سنته التاسعة، والملتقى الإعلامي العربي في سنته السابعة، ومنتدى "الجزيرة" في سنته الخامسة، إلا أن المشاركين في هذه المنتديات ما زالوا يرددون عبارة واحدة هي أن هذه المنتديات هي مجرد "فرصة للالتقاء بأشخاص وزملاء لم يلتقوا بهم منذ زمن". وإذا كانت اجتماعات الصحفيين التي تعقد في الوقت الذي يعاني منه الصحفيون ولا يستفيدون من عقد تلك المنتديات لدعم الصحافة والصحفيين والمطالبة بالإفراج عن المسجونين، ويكتفي المشاركون في تلك الاجتماعات باللقاءات والجلوس على هامش المنتديات لتبادل الأحاديث العامة، فمتى يقومون بدورهم في دعم مهنتهم؟

يبدو أن الصحفيين في هذه الملتقيات التي تكلف كثيراً من الوقت والمال والجهد لتنظيمها، يناقشون كل شيء إلا وضع مهنتهم والأخطار التي تتهددها. كما أن سحب صحفي إلى السجن رغم أن حالته الصحية الحرجة ورغم كبر سنه وفقط لأنه أبدى رأيه -وربما تجاوز بعض الخطوط الحمر- أمر يستحق النظر. فعلى الرغم من وجود من يتفق مع الجاسم فيما يطرحه وعلى الرغم من وجود من لا يتفق معه في أفكاره ويعتبرها متطرفة وفيها "مزايدة على القضية"، إلا أن أحدا لا يعتقد أن إيقافه على ذمة التحقيق بسبب آرائه أمر صحيح.

الكثير من الصحفيين يعتقدون أننا نمر بمرحلة تتراجع فيها الحريات وتواجه الصحافة ضغوطاً من جهات مختلفة للتأثير عليها كما يرون أن الصحافة صارت الحلقة الأضعف في الحياة اليومية. ومن يراقب الوضع الصحفي العام يكتشف أن هذه الحقيقة مؤكدة.

ورغم أن البعض يرى أنه مع بداية انطلاق تلك المنتديات الإعلامية العربية منذ سنوات تراجع دور الصحافة! لكن لا يمكن إلقاء اللوم في ما وصلت إليه الصحافة على هذه المنتديات فهي لها أدوار تقوم بها وأهداف تحققها. وإن كان عليها أن تدعم الصحافة وتساهم في رفع الحريات الصحفية عاماً بعد آخر، إلا أن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على الصحفي "صاحب القضية"، فهو الذي يجب أن يعرف مشكلته ويعمل على حلها ويحاول تجاوز الوضع الذي يعيشه.

والجزء الآخر من المسؤولية يقع على أفراد المجتمع الذين يفترض أن يقفوا مع الصحافة في الأوقات التي تحتاجهم فيها وأن تؤمن بان العمل الصحفي في أوله وآخره عمل يخدم الوطن والمواطن ويسعى إلى الصالح العام، وأن إبراز الإنجازات لا يعني مداهنة المسؤولين وفي المقابل أن كشف السلبيات وانتقاد بعض الأمور لا يعني التقليل من إنجازات الوطن. فدور الصحافة في مجتمعاتنا يجب أن يكون دوراً داعماً للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وللتطور في مختلف المجالات. ودعم التنمية يكون بتقييم الأداء بشكل مستمر وتسليط الضوء على الإيجابيات والسلبيات على حد سواء. فمن الإيجابيات نعرف أننا نسير في الطريق الصحيح ويجب أن نواصل فيه، ومن السلبيات نعرف أننا ابتعدنا عن الطريق الصحيح لتنمية البلد ويجب أن نقترب من ذلك الطريق مجدداً. هذه هي المعادلة ببساطة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف