حزب الله بين الدفاع والهجوم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الياس حرفوش
بصرف النظر عن ردود الفعل المحلية على الخطاب الأخير للأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في عيد التحرير، وعمّا وُصف برفعه لهجة التحدي في وجه اسرائيل، يجب أن تعترف العقول الباردة بحقائق ووقائع برزت في طيات هذا الخطاب.
فالحزب الذي ينكر على "الكيان الصهيوني" وجوده في المنطقة، باعتباره كياناً مغتصباً، لم يظهر في ادبياته ولا في افعاله، الى الآن، ما يشير الى خطة قابلة للتطبيق، ترمي الى القضاء على هذا الكيان. ما يعني أحد امرين: إما ان الحزب، بالواقعية المعروفة عنه، يدرك انه، مهما علا شأن قدراته المسلحة، فهي لن تسمح بتحقيق هذا الهدف، او انه مقتنع بدوره الدفاعي في المواجهة، وهو ما أشار اليه نصرالله اكثر من مرة في خطابه الأخير، مؤكداً ان الهدف الوحيد لتسلّح "حزب الله" وجاهزية عناصره، هو للرد على الاعتداءات والحروب الاسرائيلية المحتملة على لبنان، في اطار معادلة الجيش والشعب والمقاومة، التي اعتبرها اساساً في الخطة الدفاعية.
حتى توسّع قدرات المواجهة، ووصولها الى حد تهديد الشواطيء والبواخر الاسرئيلية او القادمة اليها، وبعيداً من تقدير فعالية مثل هذه التهديدات او مدى فرص نجاحها، فهي لم تخرج عن كونها تهديدات دفاعية، أي انه لن يتم تنفيذها الا كرد على احتمال قيام اسرائيل بمحاصرة الشاطيء اللبناني.
يضاف الى ذلك ان هذه التهديدات تبقى في اطارها المحلي ولا تدفع بـ "حزب الله" الى الانتقام من اسرائيل لما ترتكبه في ساحات اخرى. يكفي للتدليل على ذلك التذكير بحرص الحزب على عدم الانجرار الى حرب غزة في شتاء العام 2009، أو امتناعه عن التهديد بالرد على اغلاق شاطئ غزة في وجه "اسطول الحرية"، مع ان امينه العام أكد امتلاكه القدرة على محاصرة الشاطئ الاسرائيلي لو اراد.
هكذا لا يخرج خطاب "حزب الله"، في اثارته للمسائل المتعلقة بالمواجهة مع اسرائيل، عن كونه خطاباً عقلانياً، على رغم حدّة اللهجة والاعتماد على العناصر الدينية والشعبوية، الضرورية لحشد المناصرين. ذلك ان الحزب، الذي يعتبر، مثلما يعتبر راعيه الاقليمي، ان اسرائيل جسم سرطاني في المنطقة، لم يقدّم اي وصفة جراحية لازالة هذا السرطان. بل ان نصرالله، في استشهاده بنصائح هيلاري كلينتون امام مؤتمر "ايباك"، بدا كمن يتكئ على تلك النصائح لاقناع الاسرائيليين بأهمية الاستفادة من الفرصة المتاحة للتسوية، بتحذيرهم من خطر العامل الديموغرافي الذي لا ينمو في مصلحتهم، وبمحاولة اقناعهم بأن باب التسوية قد لا يبقى مفتوحاً الى ما لا نهاية. وتلتقي استشهادات كهذه مع ما نقرأه ونسمعه من عقلاء وكتّاب وصحافيين في اسرائيل نفسها، من تحذيرات من مخاطر السياسة الانتحارية لحكومة نتانياهو على مستقبل الدولة العبرية، وهي مخاطر تفوق ما يمكن ان تتعرض له اسرائيل من القوى المعادية المحيطة بها.
خطاب نصرالله في عيد التحرير يلقي بثقله على الداخل اللبناني اكثر مما يُهدد بقلب الاوراق في الصراع الاقليمي. كما انه يرد على من يناقش من اللبنانيين مسألة قرار السلم والحرب، حاسماً الموضوع في اتجاه ان هذا قرار اسرائيلي، وأن الدور الوحيد للحزب هو الرد. فطالما ظل الحزب ملتزماً قواعد اللعبة على طرفي الحدود، التي تم التوصل اليها نتيجة الترتيبات التي نص عليها القرار 1701، ستظل معادلة الرد الدفاعي فقط في مقابل الاعتداء الاسرائيلي المحتمل هي المعادلة القائمة. وقد اثبت "حزب الله"، منذ صيف 2006، قدرة استثنائية على احترام هذه المعادلة والانضباط في داخلها، على رغم الشكوى المستمرة على ألسنة قادته من الخروقات الاسرائيلية لموجبات ذلك القرار.
المفارقة ان القدرات والاستعدادات الدفاعية في مواجهة الكيان المغتصب ترافقها في المقابل قدرات واستعدادات هجومية في مواجهة خصوم الداخل، الأمر الذي لا يُفهم منه سوى أن الوظيفة الدفاعية الخارجية باتت ضرورية لاستمرار الوظيفة الداخلية للحزب. وطالما أن احتمالات العدوان قائمة وحاجات الدفاع لازمة، وطالما هناك ضوء أحمر يحول دون امتلاك أي فريق آخر، بما في ذلك الجيش، القدرة على تلبية هذه الحاجات، فإن وظيفة الحزب ودوره الداخليين سيبقيان ممنوعين من التصرف.