نيويورك تايمز : المنطقة الخضراء.. رمز لسلطة أم حالة وجدانية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بغداد - أنتوني شديد
لقد صاغ الجيش الأميركي هذا المصطلح، لكن على خلاف أمور أخرى، مثل نقاط مراقبة الدخول، نجح الاسم في أن يبقى في المخيلة الشعبية. ارتبطت المنطقة الخضراء بأحداث كثيرة تروى داخل العراق وخارجه. فقد كانت النقطة الإمبراطورية لقوة محتلة، أو قلعة لحكومة لم تحظ بالسيادة إلى حد ما. فكر موفق الطائي، وهو معماري وأحد سكان المنطقة في السابق، بشأن هذا الوصف قبل أن يستقر على الوصف الخاص به، وقال: "إنها حالة ذهنية".
انسحب الجيش الأميركي رسميا أمس من آخر تسع نقاط تفتيش كان يسيطر عليها في هذا القطاع غير المنظم من الأرض، والذي قام بترسيم حدوده بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003. وتأتي هذه الخطوة الرمزية الكبيرة في سياق خطوات مماثلة استعدادا لسحب الولايات المتحدة قواتها وترك 50 ألف جندي فقط بنهاية الصيف الحالي. وقال الميجور جنرال ستيفن لانزا، المتحدث باسم الجيش الأميركي: "إنه فصل آخر". لكن الحالة النفسية المتغيرة بشأن المنطقة الخضراء تقول شيئا ما بشأن العراق في هذه الأيام، أيضا، والتي تعلو فيها درجات الحرارة كما تزداد حالة الإحباط لدى الشعب. لا يزال البلد من دون حكومة منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر بعدما اتجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار حكومة جديدة. الشعب يعاني بينما السياسيون يتحدثون ويتحدثون. والمنطقة الخضراء أصبحت رمزا آخر في بلد لا يزال يعاني من عدم اكتمال مقومات دولته. وقال الطائي: "لقد كانت دوما مكانا لسلطة شخص ما".
وقد مثل هذا القطاع الذي يمتد على طول نهر دجلة السلطة منذ أن سعى الملك غازي إلى الدعم عن طريق التحدث إلى رعاياه من محطته الإذاعية في قصر الزهور، الذي شيده هنا عام 1936. هناك مزيد من القصور الآن، على الرغم من أن الأسماء القديمة تراجعت. لا يزال البعض يشير إلى المنطقة باسم "كرادة مريم"، والذي يرجع إلى اسم قديسة محلية دُفنت وراء الحواجز الإسمنتية في المنطقة. وهناك عدد أقل يتذكر "حي التشريع"، أحد الأسماء السابقة للمنطقة، إذ يعرفها الجميع تقريبا بالاسم الذي جاء به الأميركيون. وتقول إحدى اللافتات، باللغة العربية والإنجليزية، "مرحبا بك في المنطقة الخضراء".
لا تزال هناك صفة أميركية مميزة في المكان، حيث كان يشرب عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية في السابق على البار الخاص بهم، وكان الأطفال العراقيون الصغار يبيعون حليا صغيرة تذكارية لصدام حسين (ساعات مزينة بصورته).
هناك ترى علبا فارغة لمشروبات ملقاة ومبعثرة في الشوارع. وتتسابق حاويات الشحن التي يعلوها الصدأ على مساحة في الحواجز المملوءة بالرمل والتي تغطيها الأقمشة البالية. لا تزال اللافتات مكتوبة باللغة الإنجليزية؛ وكانت الحواجز الإسمنتية مكتوبا عليها "ممنوع الوقوف تماما". لا تزال كلمة الخضراء هي الاختصار المفضل لهذا المكان، وحتى في اللغة العربية. ويؤدي ذلك في بعض الأوقات إلى الخلط، حيث إن ضاحية أخرى في بغداد تحمل الاسم نفسه.
ولا يزال هناك سؤال لا مفر منه في الغالب: "خضراؤهم أم خضراؤنا؟". لكن الطائي، الذي كان يقود سيارته عبر المنطقة الخضراء، ومر في أحد الأيام الماضية بجوار بعض القصور التي ساعد في تشييدها، قال: "إن تاريخ العراق هنا". وأضاف: "كل مبنى له قصة" سواء كانت رمزية أو غير ذلك.
وأشار الطائي إلى المكان الذي حاول فيه أحد رؤساء الوزراء السابقين الإفلات من خاطفيه بارتداء زي امرأة عام 1958. وأعطى لمحة حول الموقع الذي تم فيه إعدام بقايا النظام الملكي في اليوم السابق. وأشار بيده إلى المسرح الذي أعلن فيه صدام حسين عام 1979 أسماء من يفترض أنهم من الطابور الخامس أمام المجلس التشريعي. وتم خلع المتآمرين المشتبه بهم من مقاعدهم الواحد تلو الآخر. وعبر النافذة، حدق في القصور، قصر السلام وغيره، التي لا تزال محطمة جراء القصف الأميركي.
وستبقى المنطقة الخضراء على الدوام قطعة أثرية مرتبطة بالاحتلال الأميركي، لكنها لا تزال حتى اليوم تحمل بصمة صدام حسين. لا تزال الأحرف الأولى من اسمه منحوتة بصورة بارزة على الجدران الحجرية، وعلى النقش الموجود على البلاط في المداخل الرائعة أو المنحنيات على البوابات الحديدية. وتجري الآن فقط إزالة السيوف الضخمة في قوس النصر، وهي عبارة عن سيفين ضخمين يرسمان في الفضاء قوسا شاسعا وتمسكهما يدان قويتان قيل إنهما كانتا نموذجا ليدي صدام حسين. ولا تزال المآذن ثمانية الجوانب، التي اعتبرها أسلوبه الخاص، موجودة بجوار أحد المساجد التي تم تشييدها بأشكال هندسية.
تمكنت الولايات المتحدة من سحق حكومة صدام حسين، لكن ما ساعدت في بنائه مكانها لا يزال ناقصا، وتتناثر فيه بقايا الماضي. وقال صاحب متجر في مدخل المنطقة الخضراء، عرف نفسه باسم أبو حسين: "الشارع هناك مظلم، والله وحده هو دليلك". وكان يقصد أنه لا أحد يعرف ما يجري بالداخل هناك. وأضاف: "لم يسمعوا لأي شكوى من الناس. لا يوجد أي مسؤول يعير اهتماما لأي مواطن هنا".
كان لديه مزيد من الشكاوى، وكان لدى الطائي أيضا مزيد من الشكاوى. الجميع في هذا الشارع لديهم شكاوى، من المرور الذي كانت تعطله نقاط التفتيش على طول مداخل المنطقة الخضراء، إلى المطالب بالحصول على شارات لدخول الشوارع الداخلية والتي تعد واسعة إلى درجة أنها تكفي لإجراء عرض عسكري.
كان هناك البعض من الشكاوى نفسها عام 2003، عندما حاول المسؤولون الأميركيون فرز مشكلات مثل انقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه والجريمة والعنف. وهذه المرة كانت الشكاوى ضد رئيس الوزراء نوري المالكي وغيره من المسؤولين الذي يقيمون في المنطقة الخضراء. وكانت كلمة "أناني" هي الإهانة الشائعة؛ وكان الآخرون أكثر وضوحا. لا يتوقع أحد أن يشكلوا حكومة جديدة في القريب العاجل. وأشار المستثمرون المطلعون إلى أن الأمر قد يستمر حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وقال فاروق طلال، 27 عاما، وهو موظف في أحد متاجر الهواتف الجوالة: "إذا كنت جارا للمالكي هناك، فربما يكون بمقدورك أن تحصل على وظيفة. ولا شيء خلاف ذلك". بينما وصف حيدر خادم المنطقة بأنها "دولة أخرى". وقال: "نحن عراق، وتستطيع أن تقول إن المنطقة الخضراء عراق آخر. تعد الشارة بمثابة جواز سفر، وإذا لم يكن لديك جواز سفر، لا يمكنك أن تدخل هذه الدولة".