جريدة الجرائد

أسطول الحرية: جنون الجمال في مواجهة جنون القبح

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إبراهيم غرايبة

لم يكونوا يحملون سلاحا، ولا أرادوا قتالا، ولكنهم استشهاديون، يواجهون أعتى الجيوش والغطرسة والاحتلال في التاريخ والجغرافيا بالسلام، يموتون لأجل السلام والحرية، من أجل حق الناس في الحياة والعدل والحرية، لم يقاتلوا لأجل ذلك ولكنهم دفعوا حياتهم ثمنا لذلك، ويواجهون آخرين يموتون أيضا لأجل القبح والظلم، القبح أيضا أيديولوجيا، تجند أنصارا ومؤيدين أكثر من الجمال، لن يشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي أن يصل أسطول الحرية إلى غزة، ولن يضرها بشيء ولن يهدد أمنها ولا اقتصادها ولا مستوطنيها، أن يصل إلى غزة 10 آلاف طن من المواد والأجهزة التي تعين الناس على مواصلة حياتهم، ولن يفيدها بشيء حصار غزة، ولن يضرها أن يرفع الحصار عن غزة، ولكنه القبح والتدمير الذي يمتلك مؤيدين ومؤمنين ودوافع مثل/ أكثر من الجمال والعطاء.
يقول الفيلسوف برتراند رسل إن دوافع الخير السامية والمصالح الفردية والجماعية لا تساوي شيئا في أثرها وحجمها وانتشارها بالنسبة لدوافع التدمير، ويرى أن هذه الدوافع هي الأكثر صحة وحضورا في تفسير التاريخ، العلاقات والحروب والصراعات، وسلوك الأفراد والمجتمعات، الناس يحبون التدمير أكثر مما يحبون الخير، وقد يكون رأيا مرعبا لهذا الفيلسوف العظيم ويصيبنا بالذعر، ولكنه يساعدنا على الأقل في ضرورة البحث عن السلام في الصراع والمواجهة، والانسجام الداخلي في حياتنا وتفكيرنا وأسلوب حياتنا، ليس باعتباره أسلوب حياة، ولكنه طاقة للصراع مثل الحروب وأسلحة الدمار، أسطول الحرية تعبير عن أسلحة السلام والعطاء الشامل في مواجهة الدمار الشامل، فما أجملهم وهم يموتون لأجل حياة الناس، وما أقبح الآخرين وهم يموتون أيضاً، وينفقون أموالهم (وستكون حسرة عليهم) لأجل الدمار، تدمير أنفسهم والآخرين.
ولكنه نفسه (برتراند رسل) يرى أن اللاعنف سلوك عقلاني يهدف إلى تفادي الصراع مع طرف معين أو أطراف محددة بغية إحلال السلام والوئام والانسجام مع الجهات التي قد تكون سببا من أسباب التوتر والقلق، وإقناع الآخرين بأن النزاع والحروب تؤدي إلى الكثير من أسباب التوتر والقلق، وإقناع الآخرين بأن النزاع والحروب تؤدي إلى الكثير من الخسائر المادية والبشرية، ولكن هكذا حرر غاندي الهند من العبودية والاستعمار، وهكذا أبدعت الهند أيضا في نهضتها الأخيرة، فهذه القيم من السلام والاعتماد على الذات أمكن إنشاء أجيال من الحرفيين والمهنيين المؤهلين تأهيلا عاليا، والقادرين على المشاركة في تنمية بلادهم، وفي السوق العالمية للعمل أيضا.
كأنهم قربان البشرية للتكفير عن شرورها وآثامها، يواجهون الجنون بالعقل، والشر بالخير، والجهل بالحكمة، واللطم بالخد، والمخرز بالكف، والقتل بتلك النظرة التي لا ينساها القاتل أبدا، وينتصرون، كثيرا ما ينتصرون، لا بد أن ينتصروا، على الأقل الأبراج تقول اليوم إن التضحية تؤدي إلى الخلاص، والألفة تؤدي إلى الاحتقار. فالصراع يكاد يكون حتميا أو لنقل إنه لم يتوقف منذ وجدت البشرية، فهو يمثل جزءا من الظواهر الناتجة عن الاجتماع البشري، فمنذ وجد الإنسان على الأرض تلازمه ثلاث ظواهر: التنوع في الاحتياجات والطموحات والأفكار والأهداف والتقاليد والثقافة، والاختلاف في التفكير والنظرة إلى الحياة وتوزيع الموارد وتحديد الحقوق والواجبات، والندرة.
وفي بدء البشرية كان الصراع بين العنف والسلام، "لئن بسطت يدك إلي لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك" ويقصد بذلك الشعور الإنساني العام الفردي أو الجماعي بقلة الموارد الطبيعية والبشرية وندرتها، وهي ظواهر تؤكد أن الصراع ميزة حتمية للحالة البشرية، وإلى هذا يشير القرآن الكريم "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين".
وأما الصراع فباعتباره "التنافس بين القوى المتضادة والمتعارضة بما يعكس مدى التنوع والاختلاف والشعور بالندرة" فإنه ينشئ ديناميكية الصراع على مدى حدة الظواهر الثلاث: (الاختلاف والتنوع والندرة) وطبيعة الخصوم، الدوافع والأيديولوجيا والظروف السياسية والاقتصادية، وهذه الطبيعة هي التي تحدد أسلوب التعامل مع الصراع.
أسطول الحرية درس عالمي وإنساني للعالم ولحركات الإصلاح في عملها في مقاومة الشر والقبح والظلم والاستبداد والاستغلال والعبودية والجوع والفقر والمرض، وهي تتطلع للمصادر الحقيقية للقوة والتأثير لأجل التحكم بها واستخدامها، الحق والجمال والشرعية، والموارد البشرية، والمهارات والمعرفة، والموارد المادية، وعليها أن تسعى إلى إدراك طبيعة القوة السياسية في العصر الذي تعيشه، وتشكيل بنى الحركة بناء على الإدراك الكامل لطبيعة القوة السياسية، وتدريب الجماهير على العصيان والتمرد في مواجهة الاستبداد والاحتلال، وإيجاد استراتيجيات لاعنفية للتعامل مع القمع الذي يحول دون مشاركة الجماهير، وتقوية المجتمع بأفراده وهيئاته ومؤسساته، وتحرير العقل من قيود وأسر النظرة القديمة وإعادة تعريف طبيعة القوة، والدراسة المتأنية الجادة لحرب اللاعنف، الاستخدام الفعال والمؤثر لأدوات القوة المتوافرة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف