حدود الحرية في الكويت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد حسين اليوسفي
لا أكون مبالغاً إن قلت إن اعتقال الصحافي والمحامي محمد الجاسم، قد وضع المدافعين عن الحرية والملتزمين بنهجها في حرج. فهم من حيث المبدأ ضد كل اعتقال ومحاكمة تكون تهمتها وموضوعها إبداءً لرأي، سواء كان ذلك الرأي صدر شفاهة أم كتابة، وسواء نشر على أرض الوطن أو خارج أسوارها.
فحرية الرأي مكفولة، كما يراها هذا الفريق وكما ينص عليها دستور الكويت الذي وضع في العام 1962. بيد أن هذا النفر من أحرص فئات المجتمع على تلك الحرية التي تتمتع بها الكويت، بحيث غدت صحفها ومجلاتها ودورياتها وفضائياتها، منفتحة يناقش فيها ما تجود به قرائح كتابها وقرائها ومتابعيها.
وهذا النفر الحريص على دوام هذه الحرية قد قَرَن القول بالعمل، فقد نزل إلى الشارع حينما كُممت الأفواه، ليعيد الأمور إلى نصابها، وهو بالتالي ذو مصداقية يشهد عليها تاريخه. وهؤلاء هم "خلف" لـ "سلف" من الرعيل الأول والآباء المؤسسين، الذين تحملوا الصعاب ليظفروا هم ومن يأتي بعدهم بهذه "النعمة"، حيث جيروا المعطيات الداخلية والأوضاع الإقليمية لتصب في تحقيق هذا الهدف النبيل، وهو بناء دولة المؤسسات والقانون.
ومن هذا المنطلق، فإن الملتزمين بالحرية في الكويت والمدافعين عنها "والعاضين عليها بالنواجذ"، رأوا في كتابات محمد الجاسم "تصعيداً" غير مبرر لا يخدم مصلحة تطوير الديمقراطية وتقويتها في نفوس المواطنين، ويعطي مبررات قوية لأولئك الذين يريدون الانتقاص من شأنها.
وهي أيضاً لا تراعي ظروف الكويت والمنطقة في هذا المنعطف الحساس. فثمة شخصيات وطنية عريقة في المعارضة، لم تتهم بـ "التهجم" أو "التطاول"، وتحديداً على "مسند الإمارة"، ولم تقترب من "المس بالذات الأميرية" كما الحال في صحيفة اتهام الجاسم، رغم باعها الطويل في "معارضة" الحكومة وفي بيان أخطائها.
ولا شك أن هؤلاء لا ينزلقون ليتهموا محمد الجاسم، وهو قابع في سجنه، بأنه أراد من مقالاته، التي كان ينشرها على موقعه المسمى بـ "الميزان" أو من خلال كتبه، أن تكون غايتها هي "التكسب السياسي" وبناء مستقبل سياسي شخصي له برفع "وتيرة انتقاداته".
غير أن هؤلاء يشيرون إلى الجو العام في الكويت، الذي يشكل بيئة خصبة لمثل هذه الممارسة، بل يضيفون أن "موضة المعارضة" هي المتطلب الرئيسي للترشح إلى عضوية مجلس الأمة (وهو مطمح آمال كل الناشطين سياسياً)، أو للبقاء تحت قبته. ولهذا خرج النقد من مساره البناء، وخرجت مثل هذه المعارضة "الطارئة" من وظيفتها التقويمية.
يترافق مع ظاهرة "زيادة حدة نبرة الانتقاد"، سواء في الصحف والمجلات والدوريات الكويتية أو في فضائياتها، ناهيك عن مجالسها الخاصة كـ "الديوانيات"، والمنتخبة كمجلس الأمة والبلدي، والجمعيات التعاونية والاتحادات النقابية والطلابية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة، يترافق مع ذلك شيوع نزعة "شعبوية" تدغدغ عواطف الشارع الكويتي، وتعده بـ "العطاءات" و"الهبات"، وربما "الغنائم" من عوائد "دولة ريعية" لا تمتلك غير النفط ثروة لها!
وهذه النزعة "الشعبوية" هي بلا شك "باب" التكسب السياسي و"مدخله" الأساسي! فقد أضحى نواب مجلس الأمة "يتفننون" في اقتراح زيادات الرواتب والبدلات والعلاوات، وفي مشاريع قوانين تثقل كاهل "المال العام" وكأنه "معين لا ينضب"! ولو كانت تلك الزيادات مقابل تحسين نوعية الأداء وزيادة الإنتاجية والكفاءة لهان الأمر، لكنها في حقيقة أمرها لا تعدو أن تكون "لهثاً وراء الصوت الانتخابي واقتناصاً له بأي ثمن"!
بل إن بعضها مضحك ولا يستقيم مع المنطق، كذاك الاقتراح النيابي الذي تقدمت به مجموعة من النواب الإسلاميين والقائل بتخصيص 500 دينار لكل امرأة كويتية غير عاملة أو ربة بيت! عدا أن "المطلقة" في واقع الحال تستلم 400 دينار من وزارة الشؤون كمساعدة!
ولو ظلت "الشعبوية" حبيسة الشأن العام الكويتي في حدود قضاياه الداخلية، لربما كان ذلك مقبولاً ولو على مضض، أما أن تخرج ليتخذ من مسائل العلاقات الخارجية "مجال للمزايدة" فهذا من أخطر الموضوعات. ولعل أكثر تلك الموضوعات إثارة و"حساسية" ونقول "دغدغة للعواطف"، هي العلاقة مع العراق بتداعياتها المختلفة المعروفة للجميع.
فالدخول على "خط تداعيات" الماضي المأساوية (التي يريد جميع المخلصين طي صفحتها والتطلع إلى الأمام) أمر خطير ضار بالمصلحة الوطنية، وحل ذيولها ومسائلها إنما هو من اختصاص السلطة التنفيذية ولجانها التي يجب أن تجتمع بعيداً عن "الصخب الإعلامي".
سنبقى مدافعين عن حرية التعبير، رغم إقرارنا بأن ثمة خيطاً رفيعاً بين "النقد" و"القذف"، مذكرين بأن ممارسة الحرية تستلزم المسؤولية أيضاً.
التعليقات
لنترك القضاء يحكم
امل -اناارى ان للحريه حدود ينبغي ان لا نتجاوزها ولكن في حاله الكاتب محمد الجاسم فلنترك القضاء يقول كلمته