جريدة الجرائد

بعد طرح "حماس" الحوار مع واشنطن..

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

من الاخبار الملفتة التي لم تلق تغطية اعلامية كافية في الايام القليلة الماضية اعلان "حماس"، عن طريق الحكومة المقالة في غزة، رغبتها في حوار "مباشر" مع الادارة الاميركية. يمكن لهذا الخبر ان يعني الكثير، كما يمكن ان لا يعني شيئا، خصوصا انه لم يصدر ما يؤكده عن المكتب السياسي للحركة. ولكن، لنفترض حسن النية وان "حماس"، استنادا الى موقف صادر عن حكومتها، تريد بالفعل حوارا مع واشنطن وعلاقات معها. في كلّ الاحوال، يبقى عالقا السؤال الاساسي: حوار من اجل ماذا وعلاقات من اجل اي هدف؟ هل يشير الموقف الجديد لـ"حماس" الى رغبة في التعاطي مع الواقع بدل العيش في عالم الاوهام والشعارات الفضفاضة التي لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى مزيد من البؤس في ظل حصار ظالم لا يزال مفروضا على غزة؟
من الواضح، انه ليس كافيا ابداء الرغبة في التعاطي مع القوة العظمى الوحيدة في العالم كي يكون هناك، بين ليلة وضحاها، حوار بين واشنطن و"حماس". ثمة شروط للحوار. قبل ان تطلب "حماس" الدخول في حوار من هذا النوع، عليها تلبية هذه الشروط، خصوصا ان موازين القوى العالمية والأقليمية لا تسمح، للأسف، بما هو افضل من ذلك. هل "حماس" على استعداد لتلبية الشروط الاميركية المعروفة، في مقدمها الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية واولها القرار الرقم 242 الذي يقوم على مبدأ الارض في مقابل السلام والذي يعني اعترافا ضمنيا بإسرائيل؟ ام ان "حماس" تعتقد ان الجيوش الفلسطينية والعربية تطوق حيفا ويافا والقدس وتل ابيب... كي تفرض حوارا على الاميركيين يؤدي الى تسوية ما على حساب اسرائيل؟
يعرف الطفل ان الحوار الاميركي- الفلسطيني ينعكس ايجابا على النضال السياسي الفلسطيني. لا مجال لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية من دون دعم اميركي. ادرك ياسر عرفات ذلك باكرا. كان كل نضاله السياسي منصبا على اقامة علاقة مع واشنطن. كانت مساهمته في العام 1975 في اخراج المواطنين الاميركيين من بيروت، بعد تدهور الاوضاع الامنية في العاصمة اللبنانية، خطوة متواضعة في هذا الاتجاه. سمح "ابو عمّار" وقتذاك لعلي سلامة (ابو حسن)، وكان من اقرب مساعديه، بفتح حوار مع واشنطن عبر وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إي). كلّف ذلك "ابو حسن" حياته، فاغتيل لاحقا في بيروت. كانت اسرائيل تعتبر اي تقارب اميركي - فلسطيني بمثابة خطر عليها. لذلك اشترطت من اجل اتمام فك الاشتباك الثاني المصري - الاسرائيلي في العام 1975 ان لا تجري واشنطن اتصالا مع منظمة التحرير الفلسطينية من دون موافقتها. وهذا ما يفسّر الى حد كبير ان تكون الاتصالات الاولى بين المنظمة والادارة الاميركية عبر الـ"سي. آي. إي" وليس عبر مسؤول يشغل موقعا سياسيا ولو متواضعا.
ان تستفيق "حماس" اخيرا وتدرك اهمية واشنطن، يعتبر من دون ادنى شك خطوة ايجابية في حال كان هناك وعي للشروط الموضوعية التي لا بدّ من توافرها في حال كان مطلوبا الوصول الى نتائج ملموسة. كيف الوصول الى نتائج تخدم القضية الفلسطينية التي تواجه في المرحلة الراهنة تحديات كبيرة؟ الجواب بكل بساطة، ان في استطاعة "حماس" اختصار الطريق عن طريق البناء على ما تحقق حتى الان. لماذا البحث عن حوار مع واشنطن ما دامت هناك علاقات بين الادارة الاميركية والسلطة الوطنية الفلسطينية تسمح للسيد محمود عبّاس (ابو مازن) بدخول البيت الابيض والبحث في ما آلت اليه الاوضاع الفلسطينية مع الرئيس باراك اوباما. وهذا ما سيحدث خلال الايام القليلة المقبلة بعيد استقبال الرئيس الاميركي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يزال، اقله الى الان، يرفض اي تسوية من اي نوع كان اذا لم تؤمن تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. يمارس نتنياهو بكل بساطة ارهاب الدولة. ولا شيء يستطيع الحدّ من ممارساته سوى التدخل الاميركي الفعال.
تمكنت السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال الموافقة على المفاوضات غير المباشرة مع الاسرائيليين ترميم العلاقات مع واشنطن من جهة وتأكيد انها معنية بتسوية معقولة ومقبولة تقوم على خيار الدولتين من جهة اخرى. اكثر من ذلك، حصلت السلطة الوطنية من واشنطن على ضمانات شفهية، قد لا تكون كافية، في شأن الحل النهائي ومرجعيته وضرورة ان تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية وان تكون حدود الدولة الفلسطينية خطوط العام 1967 مع "تبادل" في الاراضي. تكمن المشكلة في ان "حماس" لا تستطيع تحقيق اكثر من ذلك، حتى لو دخلت في حوار مباشر مع واشنطن، خصوصا في ظل موازين القوى القائمة.
ماذا تريد "حماس" اذا؟ هل الهدف من طرح حوار على واشنطن تأكيد انها تسيطر على كيان مستقل اسمه قطاع غزة وانها تريد دولة فلسطينية خاصة بها... ام انها تقدم دفتر شروط محددا تريد القول من خلاله انها ستكون اكثر مرونة من السلطة الوطنية في حال دخلت يوما في مفاوضات مع اسرائيل برعاية اميركية. يفترض بمن يعرض حوارا مع واشنطن ان يعي تماما النتائج التي قد تترتب على حوار من هذا النوع، اقلّه لجهة الانتقال في مرحلة لاحقة الى مفاوضات مع اسرائيل. ليس في الامكان الدخول في حوار مع الاميركيين من دون امتلاك برنامج سياسي واضح. الى اشعار اخر، لا وجود سوى لبرنامج واحد مقبول من المجتمع الدولي. انه البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي تروج له السلطة الوطنية والحكومة المنبثقة عنها برئاسة الدكتور سلام فيّاض. بدل ممارسة "حماس" عملية هروب الى امام في ضوء التدهور المستمر للوضع في غزة، يفترض امتلاكها ما يكفي من الشجاعة للقول ان الطريق الاقصر الى واشنطن يمر عبر رام الله لا اكثر ولا اقل...

ارسل هذا المقال الى صديق اطبع هذا المقال

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف