الكويتيون وطريق ... فلسطين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جاسم بودي
يستحق العائدون من سفن الحرية أن تفخر الكويت بهم لأنهم يعيدون لها وهجاً افتقدته بسبب الظروف والاحباط وظلم ذوي القربى والانغلاق. فالكويت دور ورسالة، وأبناؤها صورة لها يتغلبون على الأسى الشخصي من أجل نصرة إخوة لهم في الدين والعروبة والإنسانية.
ما حصل مع الكويتيين الأبطال في بحر غزة ليس حدثاً عادياً بل هو استثنائي بكل المقاييس، وتحديداً بالنسبة إلى الكويت التي عانت كثيراً من ضياع بوصلة القضايا القومية الحقيقية. ما حصل أعاد الرؤية إلى وجهتها الصحيحة... إلى فلسطين.
في أواخر ستينات القرن الماضي بدأ طريق فلسطين يتغير. مرّ في الأردن عبر "أيلول الأسود"، ثم انتقل إلى "فتح لاند" في منطقة العرقوب اللبناني، ثم إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان عام 1973، ثم سمعنا شعار أبواياد الشهير عام 1976 "طريق فلسطين يمر في جونية"، ثم تبعه شعار جورج حبش الأشهر "طريق فلسطين يمر عبر الأنظمة العربية"، ثم قال الرئيس الراحل حافظ الأسد في تبريره للخلاف السوري الفلسطيني إن بعض الفلسطينيين يريدون أن يمر طريق فلسطين من دمشق ويعتقدون أن خلخلة النظام السوري تفيد قضيتهم. ثم صار طريق فلسطين يمر عبر الصراع السوري العراقي، فالعراقي الإيراني، فالهجوم المستمر على مصر ومحاولات عزلها. بل عبر طريق فلسطين يوماً من تشاد من خلال مشاركة مقاتلين فلسطينيين مع الجيش الليبي في معارك شريط أوزو.
واعتقد عدد من القيادات الفلسطينية ومجموعات جماهيرية أن غزو صدام حسين للكويت يساهم في تعبيد الطريق إلى فلسطين من خلال شعارات عاطفية أطلقت لتغطية جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، كما اعتقد عدد كبير من المسلمين والعرب أن "غزوة مانهاتن" ستوقف الغزو الإسرائيلي الدائم والمستمر لفلسطين... وربما كانت أبلغ كلمة عن فلسطين وطريقها ما قاله القيادي الفلسطيني الراحل الدكتور عصام السرطاوي في مؤتمر منظمة التحرير الذي عُقد في الجزائر بعد اجتياح إسرائيل للبنان متهكماً على شعارات الانتصار: "إذا استمرينا هكذا من انتصار إلى انتصار فمؤتمرنا المقبل سيُعقد في جزر فيجي إن شاء الله".
ضياع طريق فلسطين بفعل سياسات العالم الذي يدعي التحضر وبفعل أجندات بعض القيادات الفلسطينية ولعبة الأنظمة العربية "فرّخ" قضايا أخرى في أكثر من منطقة. انتقل "الجهاد" والسلاح إلى أهداف أخرى وكان أبناؤنا العرب، والكويتيون بينهم، في قلب المقاتلين من أجل هذه الأهداف. صار قتل الروسي في أفغانستان والشيشان مقدمة لعودة فلسطين، ثم صارت المشاركة في صراع الفصائل الأفغانية مدخلاً إلى القدس، ثم صار التصدي للأميركي في العراق أولوية على محاربة تهويد الأقصى، ثم انتقل "الجهاد" إلى قتل المدنيين في الأسواق والمدارس، واقتنع بعض الانتحاريين بأن قتل مجموعات شيعية يساعد في تحفيز الجهاد لتحرير فلسطين لاحقاً، واقتنع انتحاريون آخرون بأن قتل مجموعات سُنية يقرب المجاهدين من بيت المقدس. بل أكثر من ذلك، صار خطف المدنيين الأجانب الذين يعملون بيننا نوعاً من الجهاد، وصار الاعتداء على الأرواح الآمنة والممتلكات وتهديد الأمن والاستقرار الداخلي وإذكاء الخطاب المذهبي التعصبي في الدول التي لا تشهد نزاعات مثل الكويت والمملكة العربية السعودية والمغرب ومصر "نوعاً من أنواع الجهاد" وخطوة في الطريق إلى فلسطين.
مشاركة عدد من الأخوة والأخوات الأفاضل من الكويت في "أسطول الحرية" لرفع الحصار عن غزة ليس حدثاً كبيراً يستدعي وهجاً إعلاميا وتعاطفاً شعبياً فحسب، بل هو بداية تصحيح لمسار ضاع على مدى عقود. أثبت الكويتيون والعرب والمسلمون والمسيحيون والأوروبيون الذين كانوا على متن السفن اننا قادرون على تصحيح المسار. وان الهوية فلسطين، والمذهب فلسطين، والقبيلة فلسطين، والهدف فلسطين... وان الطريق إلى فلسطين لا يمكن أن يمر إلا بفلسطين.
كلما كبر الهدف ارتقت الوسيلة. نعم، نريد أن يخجل الجميع من الحديث عن السُنة والشيعة. عن البدو والحضر. عن كل ما يُقسم ويُفرّق. ويجب ألا ننسى أبداً أنه كلما تقلصت الأهداف وعلت لغة الانقسامات صرنا نحن الأعداء ونحن الأهداف. ويجب ألا ننسى أبداً أن ضياع الطرق والمسارات نقل الحرب إلى ساحاتنا وفتح طرق إسرائيل إلى التعاطف العالمي.
أبطال يا أهلنا العائدين... أبطال لأنكم تحدثتم مع العالم بلغته فحصدتم تأييده... أبطال لأنكم أثبتم أن السلام قوة والمحبة إرادة... أبطال لأنكم تسلحتم بالإيمان والشجاعة... أبطال لأنكم توجهتم جواً وبحراً وبراً إنما إلى فلسطين... أبطال لأنكم صححتم المسار والمسيرة... أبطال لأن التحرير ليس مسؤولية منفصلة للشيعي والسُني والقبلي والبدوي والحضري والعربي والمسلم والمسيحي والغربي بل مسؤولية الجميع، لأن القضية إنسانية بالدرجة الأولى، وكلما سلكنا طرق غرائزنا الدينية والمذهبية والقومية صار طريق القدس أبعد.
أسوأ ما يمكن أن نشهده في الكويت بعد تجربة "أسطول الحرية" أن "تعود حليمة إلى عادتها القديمة"... ولن نشرح أو نزيد.
التعليقات
حسنت يا أستاذ بودي
عبدالله الأعمش -أحسنت يا أستاذ جاسم .. الكويت كان لها دور سياسي غاب بعد غزو صدام للكويت .. الكويت وحدت اليمنين .. الكويت ساهمت بتوحيد الإمارات .. و ادوار كثيرة اختفت و نسيها الناس بعد ان انطفأ نور السياسة الخارجية الكويتية .. و للكويت كل الفخر بمن اشترك منهم في هذه القافلة .