الحصار مقابل الغذاء؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إياد مسعود
لم يشكل مفاجأة، تدخل واشنطن الحيوي والفعال لمعالجة ذيول الجريمة الإسرائيلية ضد سفن الإغاثة إلى قطاع غزة. فالتصرف الإسرائيلي شكل إحراجاً للعاصمة الأميركية، خاصة وأن شركاءها في اللجنة الرباعية (الاتحاد الأوروبي، روسيا الاتحادية والأمم المتحدة) تجاوزوا حدود الإدانة والشجب للجريمة نحو المطالبة الواضحة بفك الحصار عن القطاع لما يلحقه من ضرر إنساني غير محدود بالسكان. فواشنطن كما هو معروف، التزمت مع إسرائيل، بموجب تفاهم رايس ـ ليفني، بفرض الحصار على حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة، بذريعة منع تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى تلك المنطقة. وهذا الالتزام، الذي وقعته وزيرة خارجية الرئيس السابق بوش الابن في اليوم ما قبل الأخير لولايته، ساري المفعول بالنسبة للرئيس أوباما. لذلك اكتفى البيت الأبيض بإدانة العنف الذي مارسه الجيش الإسرائيلي ضد ركاب سفن الإغاثة إلى قطاع غزة، لكنه لم يطلب رفع الحصار أو وقف الإجراءات الإسرائيلية البحرية والجوية والبرية ضد القطاع.
تحرك واشنطن لم يقف عند حدود الطلب إلى إسرائيل معالجة محاولات خرق الحصار دون اللجوء إلى العنف، بل تجاوزه نحو البحث عن آليات تستجيب جزئياً للإرادة الدولية الداعية إلى فك الحصار عن السكان، وتنفس في الوقت نفسه أجواء الاحتقان ضد الإجراءات الإسرائيلية. لذلك بادرت واشنطن إلى اقتراح آلية، لم ترسم تفاصيلها بعد، تسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تحت إشراف دولي، تكون إسرائيل من المشاركين فيه. هذه الآلية، تفتح الباب لوصول الغذاء والدواء وغير ذلك من الحاجات الإنسانية إلى القطاع، وتعترف، في الوقت نفسه لإسرائيل بحقها في فرض الحصار على القطاع، بذريعة منع تهريب السلاح والمتفجرات إلى فصائل المقاومة الناشطة فيه. وبذلك تحاول واشنطن أن تستعيد جانباً من تجربة الحصار على العراق في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين. وإذا كانت الآلية، في العراق، وضعت تحت عنوان "النفط مقابل الغذاء"، فإن الآلية المقترحة للقطاع سوف تكون تحت عنوان "الحصار مقابل الغذاء". وخطورة مثل هذا الأمر، فضلاً عن كونه يشكل تطبيقاً لتفاهم رايس ـ ليفني ضد القطاع، فإنه سيشكل في الوقت نفسه اعترافاً دولياً بـ "حق" إسرائيل المزعوم في مراقبة الحركة من القطاع وإليه، بتفويض دولي هذه المرة، إلى جانب التفويض الأميركي. كما سيشكل سابقة في العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وعلاقات الجانب الفلسطيني باللجنة الرباعية. وبحيث يمتد هذا "الحق" الإسرائيلي ليصبح جزءاً من الحل الدائم مع الفلسطينيين، ولا يطال قطاع غزة وحده بل كذلك الضفة الفلسطينية أيضاً.
مثل هذا الأمر تجد آثاره في وثيقة "جنيف ـ البحر الميت" غير الرسمية التي أقرت تواجداً دولياً على المعابر إلى الدولة الفلسطينية، في السنوات الخمس الأولى من عمرها، بدعوى منع تدفق السلاح إلى أراضي الدولة. فالدولة الفلسطينية الوارد ذكرها في "الوثيقة"، والتي يرد ذكرها في تصريحات المفاوضين، ستكون دولة منزوعة السلاح، وهذا يتطلب رقابة دولية على معابرها، من قبل طرف ثالث أي من قبل مراقبين تتفق على تعيينهم اللجنة الرباعية. كذلك سيكون من مهمة هذه الرقابة منع تدفق فلسطينيي الخارج إلى مناطق الدولة وبإعداد تفوق قدرة هذه الدولة على الاستيعاب. وبحيث لا تتحول إلى بؤرة للتوترات الاجتماعية والسياسية بتداعياتها الأمنية ومخاطرها على أمن دول الجوار (إسرائيل والأردن). ولعل القرار 1650، الصادر عن الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الفلسطينية يشكل نموذجاً لما ستكون عليه إقامة الفلسطينيين في مناطق الدولة (إذا ما ولدت حقاً في ختام المفاوضات العبثية الجارية حالياً).
طبعاً لسنا ضد أي آلية دولية قد توضع لاحقاً لسد حاجات قطاع غزة من الغذاء والدواء والإسمنت والحديد. فالوضع الاقتصادي هناك في حالة انهيار تام. فضلاً عن وجود نحو 100 ألف مواطن مازالوا مشردين يحتاجون إلى خطة إغاثة دولية لإعادة بناء منازلهم التي دمرها العدوان الإسرائيلي. كما تحتاج البنية التحتية في القطاع إلى سلسلة من المشاريع الملحة، ليستعيد القطاع قدرته على التحول إلى مكان يصلح للحياة الإنسانية. لكن هذه الحاجة الماسة إلى مشاريع الإنقاذ الإنسانية يجب ألا توفر فرصة تكرس حق الجانب الإسرائيلي في فرض وصايته على القطاع، وعلى الحركة منه وإليه. من هنا، يصبح المطلوب فلسطينياً وعربياً، اغتنام الفرصة وللإفادة من الأجواء الإيجابية والمطالبة بفك الحصار بشكل نهائي عن القطاع. وعدم القبول بأي دور إسرائيلي في فرض الرقابة عليه، بما في ذلك إعادة النظر باتفاق المعابر، لسحب البساط من تحت أقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي.