جريدة الجرائد

السرية والعلانية في استراتيجية أميركا الجديدة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

منصور الجمري

في نهاية الشهر الماضي اعتمدت الإدارة الأميركية استراتيجية جديدة للأمن القومي، ومن ضمن الحوارات التي بدأت بها الاستراتيجية قبل صدورها تحديد منطلقات جديدة، من بينها أن "السرية" لم تعد حجر الزاوية في استراتيجية الأمن القومي، ولا تعتبر ميزة يمكن الانتصار بها على الآخرين، ولاسيما أن العالم كله يتجه نحو المزيد من الشفافية وتدفق المعلومات. وعليه فإن التفوق الاستراتيجي الأمني لا يمكن تحقيقه عبر اعتماد مفهوم الرئاسة التقليدي.

التفوق الأمني الاستراتيجي يقصد منه القوة النسبية التي تمكن أمة واحدة أو مجموعة من الدول السيطرة بصورة فعالة على سير الأوضاع عسكرياً أو سياسياً، واستراتيجية الأمن القومي الجديدة تقول إن الأمة الأميركية تصعد إلى مستوى التحدي لمواجهة فترات حاسمة تمر بمرحلة انتقالية، وهي مرحلة تتطلب إضافة طريق مواز لاستخدام القوة، وهو الحوار، والدبلوماسية العامة، بما في ذلك الدفاع عن القانون الدولي. والنقطة الأخيرة جديرة بالاهتمام لأن أميركا وقفت أمام تنفيذ القانون الدولي فيما يتعلق بـ "إسرائيل"، وفيما يتعلق بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وفيما يتعلق بحماية البيئة وبإزالة الألغام وغيرها.

مع ذلك، فإن الحديث عن الدفاع عن القانون الدولي يعتبر تغييراً مهمّاً في السياسة الأميركية، كما أن الرئيس باراك أوباما تحدث عن ترابط موضوعات الدفاع والدبلوماسية والتنمية، بوصفها أجزاء لا تتجزأ؛ لأن البعد العسكري للتدخل يفقد دوره المميز من دون مصاحبته بالدبلوماسية وبدعم برامج التنمية التي تعتبر ضرورية لمنع نشوب الصراعات ولحفظ السلام وتحقيق الاستقرار.

المهم أن الاستراتيجية الجديدة أزالت الحديث عن الحرب على الإرهاب والأصولية الإسلامية واستبدلتها باستهداف تنظيم القاعدة وغيرها من الحركات المشابهة بهدف تعطيلها وتدميرها ضمن خطط مكافحة الإرهاب، وتخلت عن وجهة النظر الاستراتيجية العسكرية عن مصطلح "الحرب ضد الإرهاب". ثم تحدثت الاستراتيجية عن أهداف ملحقة لتعزيز الأمن القومي، وهي أهداف تتعلق بالتدخل المباشر لأغراض إنسانية والسعي إلى الترويج للمفاهيم والقيم الديمقراطية، وهذا يتطلب تعزيز الولايات المتحدة داخلياً من خلال سياسة اقتصادية تعالج العجز في الموازنة ودعم التعليم والتنافسية والابتكار والتكنولوجيا، وإيجاد بدائل الطاقة، ونظام للرعاية الصحية أكثر كفاءة، بحيث يمكن إبراز أميركا كقدوة، كما يتطلب ذلك إزالة السجن الأميركي في خليج غوانتنامو من الذاكرة الإنسانية واستبداله بما يحبب العالم في أميركا. كل هذه الأفكار السامية لا تعني أن العمليات السرية للأجهزة الأميركية ستكون أقل، بل على العكس، فمع صدور هذه الاستراتيجية أوضحت الصحف الأميركية أن العمليات السرية للقوات الأميركية في الخارج ازدادت كثيراً في عهد أوباما، وفي هذا يكمن التناقض مع ما تتحدث عنه الوثيقة الجديدة.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف