جريدة الجرائد

توتر في الخرطوم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

علي إبراهيم

العتب أو الانتقاد الذي وجهه وزير خارجية السودان لما اعتبره الدور المصري الضعيف في السودان وعدم الإلمام بالتعقيدات المحلية هناك، يدخل ضمن إشارات كثيرة ظهرت مؤخرا إلى توتر في الخرطوم. فمن أهم استحقاقات ما بعد الانتخابات التي جرت هناك ورسخت شريكي الحكم في الشمال والجنوب، هو استحقاق الاستفتاء الذي سيجري لتحديد وضع الجنوب، وهل سيبقى السودان موحدا أم ستكون هناك دولة مستقلة في الجنوب.

وكل المؤشرات تعطي الانطباع بأن نتيجة الاستفتاء ستميل لصالح الانفصال وإنشاء دولة جديدة في الجنوب، مؤسساتها وجيشها شبه جاهزين مند سنوات، وتحركات القوى الإقليمية والدولية تصب في اتجاه التهيئة للتعامل مع هذا الوضع الجديد.

وتصريحات الحكم السوداني من قمته إلى الدرجات الأقل تعطي الانطباع بأن الانفصال هو السيناريو المتوقع، وأنه إذا كان هذا هو الخيار فإنه يجب أن يجري بشكل سلمي وحضاري كما حدث في حالة تشيكوسلوفاكيا السابقة التي انقسمت سلميا إلى دولتين.

ومهما كانت التصريحات المطمئنة حول سلمية التحول فإن التوتر في الخرطوم هو أمر طبيعي تجاه ما يمكن حدوثه من وضع جديد سينشأ لو تحقق سيناريو الانفصال. فليس سهلا أن تفقد دولة - سواء كان طويلا أو قصيرا عمر وحدتها الجغرافية - جزءا كبيرا من كيانها الجغرافي، ويصبح عليها أن تتعامل مع وضع وحدود وإدارة مصالح بشكل جديد.

ولا يختلف أحد ينظر إلى الأمور من معيار المصلحة السودانية والعربية، على أن خيار الانفصال هو السيناريو الأقل قبولا، ولكن قد لا يكون هناك مفر منه، وبالتالي فإن المتوقع أن الجميع سيتعامل مع الواقع الجديد من إطار مصلحته، سواء كانوا حيرانا قريبين أو دولا بعيدة.

وقد كان واضحا أن تفادي طرح هذا الخيار بهذا الشكل القوي الذي يلاقي قبولا دوليا، قد فات أوانه مند سنوات طويلة، لأسباب سودانية صرفة، فعبارة الوحدة الجاذبة في بلد يتمتع بتنوع عرقي وديني كانت تحتاج إلى سياسات طويلة الأمد تصهر مصالح كل مناطق البلاد في الكيان الجغرافي الذي يجمعها، ويطمئن الجميع إلى أنهم لديهم حصة محترمة فيه. ومن دون الدخول في التفاصيل فإن الكثير من السياسات خاصة في الفترة الأولى من عهد الإنقاذ التي حكمتها آيديولوجية متشددة باعدت أكثر مما قربت باللجوء إلى أسلوب الحرب والتجييش على أساس ديني ضد قطاع من السكان، حتى وقع اتفاق السلام بعدما انقسمت الإنقاذ وأصبحت الرؤية في الحكم براغماتية أكثر منها آيديولوجية، لكن الأوان قد فات لإبقاء خيار الوحدة الجاذبة.

الآن، وبدلا من البكاء على الأطلال، فإن التفكير البناء يقتضي أن تكون هناك رؤية متماسكة للفترة المقبلة حتى إجراء الاستفتاء، وما بعد الاستفتاء والاستعداد لما سيحمله بعده، انفصالا وهو الخيار المتوقع، أو البقاء في إطار الدولة الموحدة وهو الاحتمال الأقل.

فالانفصال في النهاية لا يعني أن جنوب السودان سيضع عجلات تحته ويرحل إلى قارة أخرى، فالحدود ستظل مشتركة والمياه تجري من الجنوب إلى الشمال، وعلاقات الناس ومصالحها هي هي. وبالتالي فإن تفعيل شعار الوحدة الجاذبة يمكن العمل به من خلال التعاون والمشاريع المشتركة وحرية الحركة. ومن يدري، فقد ينشئ ذلك وحدة من نوع آخر مستقبلا. وهذا ينطبق أيضا على السيناريو الآخر إذا انتهى الاستفتاء بخيار البقاء في إطار الكيان السياسي الحالي. والخرطوم رغم مشكلاتها السياسية الحالية لديها أوراق جاذبة، بدليل هجوم المستثمرين عليها حاليا.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مصر تساهم
محمد البدري الشريف -

عتب وزير الخارجية هو نوع من كسب الوقت وتعليق شماعة الاخفاق على مصر .. وإن كانت مصر ليست ببعيدة عن كل ما يدور في السودان ولكن بشكل آخر فمصر هي التي ثبتت اركان هذا النظام الانقلابي هذا في المقام الاول فعندما انقلب اهل الانقاذ على الحكم الديمقراطي فتحت مصر لها الابواب تأييداً وتشجيعاً .. ماذا كانت المحصلة .. اكتوت مصر بنيران الاسلاميين بعد فترة بسيطة لتكتشف انها ارتكبت خطأ كبير .. ولكن ما الفائدة .. مصر مسؤولة بطريقة أو اخري عن انشطار السودان الدولة .. لأن النظام القائم في السودان لا يهمه أن يفصل الجنوب او الغرب ولكن المهم عندهم ان يحكموا المركز ولو بقت لهم جريرة توتي المقابلة للقصر الجمهوري ... كل مسببات ما يحدث في السودان هي نتيجة سياسات النظام الاسلامي في السودان .. ام البكاء في الزمن الاضافي لا يحل المشكلة فمصرت قصرت نعم قصرت بل ساهمت لما وصل اليه السودان اليوم ... اما التصريح فهو نوع من التهريج السياسي ليس ألا .. فابسط شيء يمكن ان يقوله السودان ان التصريح فهم بالخطأ .. ولكن هي يحمي السودان من الانشطار والانقسام يا مصر يا اخت بلادي يا شقيقة كما كان نسمعها سابقاً ..