الصحافة الأميركية حائرة.. فماذا عن صحافتنا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إياد الدليمي
تواصلت على مدى الأيام الماضية النقاشات داخل أروقة صناعة القرار في الولايات المتحدة الأميركية، بحثاً عن حلول لما بات يعرف بـ "أزمة الصحافة الورقية" التي صار عرشها مهددا بفعل دخول وسائل الاتصال الحديثة والإنترنت كمنافس قوي وشرس، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في عائدات الصحافة الورقية.
ولعل من بين أبرز المقترحات التي تمت مناقشتها في لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية، تخفيف القيود في لوائح مكافحة الاحتكار بهدف السماح للمؤسسات الإخبارية بفرض رسوم على المحتوى الإلكتروني أو فرض ضريبة على أجهزة "آي باد" وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، لدعم تكلفة التقارير الصحافية أو تأسيس صندوق عام على غرار "أميريكوبربس" لدفع رواتب للصحافيين الصغار.
ودخلت شركة "أميركا أونلاين" لخدمات الإنترنت على الخط بإعلانها النية لتوظيف مئات الصحافيين خلال العام المقبل 2011، وقال ل.ديفيد أون رئيس شركة "أميركا أونلاين"، إن إدارته تخطط لتوظيف صحافيين ومحرري مكاتب ومصورين من أجل تقديم محتوى متميز في خدماتها على الإنترنت، مؤكداً في تصريح نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية أن "تعيين 500 صحافي بدوام كامل خلال الأشهر القادمة سيجعل منا أكبر منتج لمحتوى متميز وعالي الجودة خلال هذه الفترة، لنؤكد مجددا على أن المستقبل لم يعد للورقة وإنما للشاشة".
على النقيض من هذا الحراك بشأن مستقبل الصحافة الورقية في الولايات المتحدة الأميركية، نجد أن العالم العربي ما زال بعيدا كل البعد عن التحرك لإنقاذ صحافته الورقية، بل الأكثر من ذلك أن هناك تجاهلاً لأزمة حقيقية تعيشها هذه الصحافة في عالمنا العربي، توجت بإغلاق اثنتين من الصحف الخليجية في الكويت والبحرين، دون أن يتداعى أرباب المهنة أو صناع القرار للتدخل من أجل وقف هذا التدهور الكبير الذي أصاب وسيصيب صحافتنا المطبوعة.
إن التحول عن الصحافة المطبوعة إلى الإلكترونية، لم يعد ضربا من التنجيم أو التنبؤ المستقبلي غير المستند إلى حقائق، فأنت عندما تسمع عن مشاكل تواجه صحيفة مثل الواشنطن بوست أو نيويورك تايمز، لا بد أن تتساءل: وماذا عن صحافتنا العربية؟
وإذا كنا اليوم نتحدث عن أرقام ومبيعات صحفنا العربية بشيء من التباهي، وأنها ما زالت بعيدة عن التأثر بأزمة الصحافة الورقية، فإن هذه الأرقام لا يبدو أنها سوف تصمد طويلا أمام الرهانات المستقبلية على الإنترنت الذي بات فضاءً يوفر لقارئه أكثر بكثير مما يمكن أن توفره الصحيفة الورقية المطبوعة التي ما زالت بذات النمط والسياق الذي خرجت به قبل نحو مئة عام، ما خلا زيادة جرعة الألوان، والتي يرى بعض المهتمين أنها أفسدت أكثر مما أسعفت الصحافة العربية المطبوعة.
إن الجيل القارئ في عالمنا العربي في تضاؤل ونقصان، فلم تعد القراءة وسيلة للمعرفة أو حتى للمتعة كما كانت قبل نحو ثلاثين عاما أو أكثر، فلقد تراجعت مستويات القراءة بشكل عام، وبات العربي لا يحظى سوى بقراءة نصف صفحة كتاب في العام الواحد كما أشارت إلى ذلك بعض الدراسات، وطبعا الأمر ذاته بدأ ينسحب على الصحف المطبوعة التي وجدت نفسها في مواجهة شرسة مع عالم التقنية وثورة الاتصالات.
أما من بقي من قراء ومحبي الصحافة الورقية، فإنهم إلى انقراض، والمستقبل خلال العشرين عاماً المقبلة لجيل لم يعتد على قراءة الصحف الورقية، فهو يجدها كل يوم على حاسبه الشخصي وبخيارات أوسع بكثير من تلك التي توفرها له الصحافة الورقية.
إزاء ذلك، فإن على وسائل الإعلام العربية المطبوعة أن تستعد من الآن لما هو قادم، فحتى المعلن الذي تراهن عليه بعض وسائل الإعلام المطبوعة، سيجد نفسه خلال العشرين عاماً المقبلة مضطرا إلى الإعلان عبر الشبكة الدولية أو مواقع الصحف الإلكترونية، لأنها في النهاية سوف توفر له شريحة أوسع من القراء.
قبل يومين، أعلنت شبكة "سي.أن.أن" الأميركية أنها تخلت عن تعاقدها مع وكالة الأنباء الأميركية الأوسع انتشاراً في العالم "أسوشييتد برس"، والسبب كما أعلنت عن ذلك الـ "سي.أن.أن" أنها تسعى لأن تكون المادة الخبرية أو الصحافية من صنعها هي لا من صنع وكالات الأنباء، وهو مسعىً تسعى من خلاله الشبكة الأميركية للتأقلم مع واقع صحافي جديد، لم يعد فيه الخبر الجاهز من وكالات الأنباء هو أفضل الخيارات.
لقد لعبت وسائل الاتصال الحديثة والإنترنت دورا هاما في تحويل الصحافة من مهنة يزاولها بعض المختصين إلى مهنة قابلة لأن تكون "شعبية"، فأغلب وسائل الإعلام الغربية باتت تستعين -على سبيل المثال- بمواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، فيس بوك"، التي لم تعد مواقع تواصل وحسب وإنما بالإمكان أن توفر مادة خبرية طازجة يمكن الاستعانة بها في إعداد التقارير الصحافية.
حراك لا يبدو أننا في عالمنا العربي قادرون على إدراك حجمه ومدى تطوره وتأثيره على واقعنا الإعلامي.