العراق بين كارثتي حرب بوش وانسحاب أوباما!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
دخل الأميركيون إلى العراق من دون خطة واضحة المعالم، أقله على الصعيد السياسي. اعتقدوا أن العراقيين سيتحولون إلى شعب مسالم ويقيمون نظامهم الديموقراطي بمجرد التخلص من "نظام المقابر الجماعية" الذي كان يرمز اليه صدام حسين. هل يخرجون من العراق في عهد باراك أوباما بطريقة أفضل من تلك التي دخلوا بها، أم يتسببون في كارثة أكبر من تلك التي تشهدها المنطقة حالياً في ضوء المغامرة التي اقدم عليها جورج بوش الابن؟
ما هو لافت في المرحلة الراهنة، أن استمرار موجة العنف في العراق والعجز عن تشكيل حكومة جديدة، رغم مرور ما يزيد على ثلاثة أشهر ونصف الشهر على الانتخابات، يشيران إلى وجود مخاطر جدية على وحدة البلد في المستقبل القريب. ما على المحك يتجاوز تقسيم العراق. الخطر الذي يتحدث عنه مقيمون في بغداد غادروها حديثاً يتعلق بعدم وجود من هو قادر على الحؤول دون نشوب حروب أهلية بعد الانسحاب العسكري الاميركي من البلد العام المقبل. نعم، الخوف هو من حروب أهلية وليس من حرب أهلية نظراً إلى أن الانقسامات بين العراقيين باتت كبيرة وعميقة ولم يعد هناك قاسم مشترك يوحد بينهم، حتى بين أبناء المذهب الواحد، أو القومية الواحدة، أو المنطقة الواحدة. لم تعد الانقسامات على أساس المذهب أو القومية. هناك مواجهات حادة بين الشيعة أنفسهم، وهناك تناحر بين السنّة العرب، كما الحال في محافظة الأنبار مثلاً حيث الوضع مثير للقلق.
ما تعرض له المصرف المركزي أخيراً، لم يكن حدثاً عابراً. يعكس الهجوم الأخير الذي استهدف المصرف المركزي في بغداد فشلاً على كل المستويات في إعادة بناء المؤسسات والأجهزة الامنية. الدليل على ذلك أن عشرات المسلحين هاجموا المصرف المركزي واشتبكوا مع العناصر التي تتولى حمايته. استمرّت المعركة ساعات عدة واختلط الحابل بالنابل رغم أن المصرف يقع في منطقة خاضعة لكل أنواع الحمايات. من أين جاء هؤلاء المسلحون، كيف دخلوا المنطقة الآمنة في بغداد، من سهّل عملية اقتحامهم للمصرف المركزي، هل صحيح أنهم من "القاعدة"؟
لا وجود لإجابات عن هذه الأسئلة رغم مرور وقت كاف لاجراء تحقيق في ملابسات الهجوم الذي يكشف مدى التدهور الأمني في بلد كان إلى ما قبل بضعة أعوام مثلاً يحتذى به في مجال السيطرة على الوضع الداخلي. هذا لا يعني من دون أدنى شك الترحم على النظام السابق، الذي كان لابدّ من اسقاطه نظراً إلى الخطر الذي كان يشكله على المنطقة وعلى العراقيين أنفسهم. لكن ما لا مفرّ من الاعتراف به في الوقت ذاته، أن الذين حلوا مكان صدّام حسين ونظامه العائلي- "البعثي" لم يتمكنوا من إقامة نظام أفضل على أسس ديموقراطية. كل ما في الأمر أن الذين في السلطة حالياً يقلدون صدّام بطريقة أو بأخرى رافضين تسليم الموقع السياسي إلى الفائز في الانتخابات وذلك استناداً إلى ما هو معمول به في الدول التي فيها تداول سلمي للسلطة... أو حد ادنى من التقاليد الديموقراطية واحترام للدستور المعمول به.
لا يعود الخوف على العراق إلى التدهور الأمني والعجز عن تشكيل حكومة فقط. وقد عبر عن التضايق الأميركي من هذا العجز اضطرار جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية إلى المجيء إلى بغداد في محاولة لتدوير الزوايا وإيجاد مخرج من الأزمة السياسية التي يعاني منها البلد. الخوف الكبير من السياسة الأميركية التي باتت تعتبر الانسحاب العسكري من العراق هدفاً في حد ذاته. يخشى أن يرتكب باراك أوباما خطأ في مستوى الخطأ الذي ارتكبه جورج بوش الابن لدى احتلاله العراق أو أكبر منه. ارسل بوش الابن الجيش الأميركي إلى بغداد وأسقط النظام الذي لم يجد من يدافع عنه. كان يحلم بقيام دولة ديموقراطية تكون مثالاً يحتذى به في المنطقة. لم يدرك بوش الابن أن ليس في الإمكان إقامة نظام ديموقراطي بالاعتماد على أحزاب مذهبية لديها ميليشيات مسلحة مدرّبة في إيران. الآن، يعتقد أوباما أن في الإمكان احتواء الوضع العراقي وأن المطلوب، قبل أي شيء آخر، احترام مواعيد الانسحاب الأميركي منه، والتركيز في المقابل على أفغانستان.
ما يفترض أن يكون راسخاً في ذهن أي مسؤول أميركي أن الوجود العسكري الأميركي هو الذي يحول دون الحروب الأهلية في العراق. إذا استثنينا المنطقة الكردية، لا يمكن الحديث عن رقعة آمنة في العراق. في حال انسحب الأميركيون معتقدين أن في استطاعتهم الخروج بهذه السهولة من المأزق العراقي، سيواجهون وضعاً لا يقل خطورة عن أفغانستان وباكستان. بكلام أوضح، ان الانسحاب من العراق على مراحل مع التركيز على احترام المواعيد المعلنة هو الطريق الأقصر إلى كارثة أكبر من تلك التي تسبب بها الاحتلال الأميركي للبلد وإقامة نظام مبني على المحاصصة بين الطوائف والمذاهب والقوميات. سيرتكب الأميركيون عندئذ خطأ جسيماً في ضوء الوضع السائد بالبلد. هناك حاجة إلى أن يأخذ الأميركي وقته وأن يتحمل مسؤولية ما قام به في العراق لا أكثر ولا أقلّ بعيداً عن الهموم الداخلية لإدارة أوباما.
هذه ليست دعوة إلى بقاء الجيش الأميركي. الاحتلال بغيض. كل احتلال بغيض. ولكن ليس مسموحاً أن يرتكب الأميركيون ما ارتكبوه في العراق ابتداء من العام 2003، ثم يعالجون المأساة بمأساة أكبر عن طريق الانسحاب العشوائي بحجة احترام الرئيس أوباما وعوده للاميركيين. العراق بكل بساطة، لا يتحمل مثل هذا الانسحاب الذي سيفتح الأبواب أمام كل ما من شأنه تشرذمه وتحوله إلى صومال آخر... مع فارق أن في الأراضي العراقية ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم، إضافة إلى أن الموقع الجغرافي للعراق مهم إلى درجة أن كل النظام الإقليمي سيصبح مهدداً. ما الذي ستفعله إدارة أوباما لتفادي الكارثة، أم أن احترام المواعيد أهم من مستقبل العراق والمنطقة؟
التعليقات
نت لاتعرف
حسام -انت لاتعرف عن العراق شيئا ولا اعرف لماذا تصر في الكتابة عن العراق انت تتكلم عن المظاهر بدون معرفة الجذور والاسباب
مقال دقيق
علي -المقال دقيق وهو تشريح للوضع العراقي. رجاء عدم مهاجمة الكاتب اذا كان المطلوب تعويض الجهل بالكلام البذيء الذي لا يستخدمه سوى الجهلة. شكرا لايلاف على نشر مثل هذه المقالات والتحليلات العلمية القيمة.