المراكز الصيفية في السعودية .. متهمة كأداة بيد الإسلاميين لأدلجة طلاب المدارس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الرياض - عبد الحي يوسف
على مدار السنوات الماضية كانت المراكز الصيفية - التي تنشأ في فترات الصيف لاستيعاب طلبة المدارس في انشطة لاصفية- في السعودية محلا لجدل ما يهدأ لفترة الا ليعود مرة اخرى بصورة اعنف واشد، ما بين مؤيدين لوجودها ومعارضين يطالبون باغلاقها، وذلك من دون ان تكون هناك اصوات وسيطة تعارض ما فيها من سلبيات، وتثني على ايجابياتها.
بدأت الاضواء تسلط على المراكز الصيفية منذ اندلاع العنف في السعودية، حيث رأى البعض ان هذه المراكز ساهمت بصورة مباشرة، او غير مباشرة في اذكاء روح التمرد على المجتمع، واخرجت جيلا من الشباب الناقمين عليه، في حين ظهرت اصوات اخرى تندد بشدة بهذا الربط، وتعتبره غير مؤسس وعشوائيا مؤكدين ان المراكز ظلت بعيدة عن أي فكر هادم، وانها استوعبت الشباب واعطتهم الحماية من مضار الشارع والتسكع .. وبين الاصوات المعترضة والمؤيدة، اخذت المراكز زخمها الاعلامي الواسع الذي يتجدد مع بداية كل صيف.
اكتشاف الشباب
الداعية السعودي محمد الهبدان اكد في تصريحات خاصة اهمية المراكز الصيفية في عملية التنشئة للشباب، ودورها في تزويدهم بالمهارات الحياتية المهمة، كالتواصل الاجتماعي واقامة علاقات مع الاخرين، والاعتماد على الذات بجانب تقوية المهارات الاخرى كالقيادة والقراءة والبحث والالقاء بل انه اشار إلى ان المراكز تقوم باكتشاف الشاب من جديد، حيث تدخله في بيئة جديدة لم يكن معتادا عليها في بيته او مدرسته، وبالتالي فهي تتيح له الفرصة لكي يظهر بعض الجوانب غير المعروفة في شخصيته.
وندد الهبدان بالاصوات الداعية الى اغلاق هذه المراكز، او تقييدها، بحيث تكون مقتصرة على بعض الجوانب الهامشية التي لا تحرك شيئا في نفس الطالب، وقال ان المطالبين بالغاء هذه المراكز يتصورون انها تؤثر بصورة سلبية في الشباب، وتجعله منزويا على ذاته، ومنصرفا عن مجتمعه برغم ان العكس هو ما يحدث.
التدين والالتزام
وقال الهبدان ان البعض يعتقد ان التدين هو سلبية، وان بعض الشباب الذي يخرج متدينا من هذه المراكز قد اصبح عبئا على المجتمع، واكد الهبدان ان هؤلاء يسببون توترا في المجتمع بسبب ارائهم الهدامة التي لا تتناسب مع مجتمع متدين كالسعودية، وقال كيف ينظر الى الشاب الذي تحول الى التدين بانه اتجه اتجاها غير مطلوب، وكانهم يريدون للشباب ان يكونوا خارج منظومة التدين والالتزام.
واعتبر الهبدان المراكز الصيفية بمثابة المحاضن الامنة وتجمعا "يفجر" المواهب والقدرات التي تعود ليس على المملكة فقط، وانما على الامة كلها بالخير والنفع، وقال انه يتمنى لو تعمم تجربة المراكز الصيفية على كل بلاد العالم الاسلامي، وان تعتبر فترات الاجازة اوقاتا لصناعة "الرجال" والقادة، مشيرا الى اهمية المناشط اللاصفية في دعم الشباب والجهود التي تبذلها المدارس في الجانب الاكاديمي، اذ تحول بعض الشباب بفضل المناهج اللاصفية من حياة اللهو الى حياة الجد والاجتهاد.
وقال الهبدان ان على الذين يهاجمون المراكز ان يتذكروا ان عديدا من العلماء الكبار الان، كانوا في شبابهم من مرتادي هذه المراكز، واعترفوا بفضلها عليهم، ومدى استفادتهم منها في صقل مهاراتهم وقدراتهم. وطالب أي متشكك بان ياتي إلى المراكز الصيفية المنتشرة في مدن المملكة المختلفة، ويرى بنفسه ماذا يدرس فيها، وكيف يستفيد الطالب والطالبة من اوقاتهم.
مراكز مختطفة
اما عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور محمد آل زلفة، فيمتلك رايا مخالفا لراي الهبدان، ويعتبر ان المراكز الصيفية في المملكة لا تمتلك أي ايجابية تقدمها للشباب، فكل ما تقدمه كما يقول هو سلبي وضار بنفوس وعقول الشباب، وذكر ال زلفة في سياق حديثه ان المراكز الصيفية لم تقدم ايجابيات يشار اليها، ولو فعلت لكنا اول من يثني عليها، ويطالب باستمرارها واعطائها مزيدا من الدعم، لكنها لم تفعل ذلك، فهي مختطفة من قبل اناس معينين استطاعوا توجيه هذه المراكز لمصلحة مشروعات فكرية خاصة بهم، ولذلك فانها كانت محضنا لعديد من الافكار الضارة بالمجتمع، وما يعانيه مجتمعنا من مشكلات متعددة هو بصورة او باخرى نتاج لما ظلت تقدمه المراكز الصيفية للشباب طيلة السنوات الماضية، وذكر انه في فترات زمنية سابقة كان يقوم بجولات على عدد من المراكز والاندية الصيفية في الرياض والدمام وغيرهما، ومن خلال اطلاعه على الانشطة والمضامين التي تقدم في هذه المراكز ترسخت قناعاته حول المراكز، وانها لا تخدم المجتمع، بل تدخله في موجة من التوتر والاضطراب بسبب من المضامين السلبية التي يتلقاها الشباب هناك، فيخرج منها وهو ناقم على مجتمعه، ومتمرد عليه، ويرى انه مجتمع بعيد عن "الحق" الذي صور له في اثناء تواجده في المراكز.
المطلوب .. ضوابط صارمة
وطالب عضو مجلس الشورى السعودي بوضع ضوابط صارمة لهذه المراكز حتى تبتعد عن الادلجة والاختطاف، قائلا انه ليس ضد المراكز الصيفية كفكرة وكنشاط يحتضن مواهب الطلاب، ويحرضها على الابداع، وهو نظام مطبق في عدد من الدول، لكن الصورة التي وصلت اليها المراكز في المملكة اصبحت تعطي نتائج غير مرغوبة، بل هي عكس ما يراد لها، ولذلك فالافضل اغلاقها على ان تستمر على هذه الحال.
وتساءل آل زلفة عن اسباب عدم اهتمام المراكز بمواهب الرسم والنحت والموسيقى والتصوير، وغير ذلك من انواع الفنون الجميلة المعروفة، فهذه المناشط لا يتلقاها الطالب في المدارس بصورة كافية، وكان مناسبا لو تم التركيز عليها في المراكز الصيفية.
ويضيف عضو مجلس الشورى، بيد انها أي المراكز اصبحت تركز على اشياء بعيدة جدا عن المطلوب، فماذا يستفيد الشاب من مخيم صحراوي او ليلي، هل سيمارس ذلك في مقبل ايامه؟ وهل نحن الذين نعيش في الالفية الثالثة نحتاج لمثل هذه الخبرات، لنتقدم الى الامام، او نعيش عصرنا؟.
ساحة للتجاذبات
من جهته يرى الشيخ حجاج العريني المدير السابق لمؤسسة الحرمين الخيرية، والذي يقود حاليا مجموعة من المشروعات الخيرية، ان المراكز كانت ساحة للتجاذبات بين التيارات المختلفة في المملكة، وان التيار المناوىء لها كان يرى انها تعمل على "تفريخ" الكوادر التي تقف ضد توجهاتهم، فيما هناك تيار كان يدافع بشدة عن هذه المراكز، ويعتقد انها تخدم المجتمع بصورة كبيرة.
وقال العريني ان تجربة المراكز في حاجة الى نظرة بعيدة عن هذه التجاذبات حتى نتمكن من تقييمها بشكل صحيح، لكنه اكد في هذا السياق انه يرى اهمية هذه المراكز، مشيرا الى انها تجربة مطبقة في عديد من البلاد الاخرى، وحتى في الولايات المتحدة، وفرنسا، ولم تتعرض للذي تتعرض له المراكز في المملكة من اتهامات.
وقال ان المراكز الصيفية يجب ان تكون اولا مرفقا متخصصا لفئة عمرية معينة، وان تتعرض المناهج والمناشط التي يتلقونها الى مراجعات دائمة عبر مختصين فعليين حتى تكون فعاليتها اكثر نجاعة، وان يشرف عليها المدرسون اصحاب الكفاءة والمعرفة بكيفية التعامل مع الشباب، واخراج افضل ما لديهم من قدرات ومواهب.
واقترح الشيخ العريني ان تغير فكرة المراكز من صيفية فقط الى مراكز تعمل طيلة العام الدراسي، باعتبارها اثبتت نجاحا كبيرا في اداء مهامها الثقافية والاجتماعية والتربوية، وذكر ان تاثيرها في التحصيل الدراسي سيكون ايجابيا، وليس سلبيا كما قد يعتقد البعض.
مفتوحة للجميع
وحول اسباب دفاع الاسلاميين والملتزمين عن المراكز في حين يهاجمها غيرهم، قال حجاج العريني ان المراكز لا تخضع لجهة معينة، او تيار بذاته، وانما هي مفتوحة للجميع، والوزارة المعنية هي التي تشرف عليها، وهناك مراجعات دائمة لمضمون ما يتلقاه الشباب في هذه المراكز، مما ينفي أي صفة لاحتكار تيار فكري معين على ما يقدم في هذه المراكز، واكد ان المراكز ومن خلال تجربته الشخصية هي مفتوحة للجميع، وان من يشرف عليها هم في الغالب مدرسون عاديون بعيدون عن أي ميول فكرية او حركية.
وذكر ان المراكز ومنذ نشاتها في السنوات الطويلة الماضية، وهي تتعرض لحملات بهدف اغلاقها او تقليص عددها، بيد ان المسؤولين في الوزارات المعنية لم يوافقوا على هذه المقترحات، بل تشهد اعداد المراكز الصيفية تزايدا في كل عام "وليس هذا الا ادراكا منهم لاهمية هذه المراكز بالنسبة إلى الشباب والناشئة"، وطالب العريني بابعاد المراكز من حملات التشويه بين التيارات الفكرية المختلفة، واعتبارها كيانات للجميع، واضاف "لو ثبت على المراكز انها تقوم باشياء مخالفة لاغلقت على الفور".
لم تكن سلبية في بداياتها
أشار آل زلفة الى ان المراكز الصيفية لم تكن في كل تاريخها سلبية، وانما شكلت في بداياتها محضنا تربويا جيدا ومعقولا في بداياتها، لكن لما دخلت السعودية في عهد ما يسمى الصحوة الاسلامية كانت المراكز في طليعة الجهات المستهدفة والمراد التغلغل فيها، ولذلك كنا نرى اهتماما كبيرا بالمخيمات الخلوية والحراسات الليلية ونحو ذلك مما لا يستفيد منه الطالب شيئا في مقبل ايامه، لكن يتحول الى عنصر متمرد على مجتمعه وناقم عليه.
وأكد آل زلفة ان هناك بعض المراكز لا تقبل الا ذوي انتماءات معينة، والمشرفون على هذه المراكز يعملون على استبعاد أي طالب لا يتماشى مظهره مع معتقداته، كما رأى ان هذه المراكز بالذات تشكل خطورة بالغة على المجتمع.
مجرد ظنون
تحدث الشيخ محمد الهبدان المشرف على شبكة "نور الاسلام" عن الاتهامات التي تكال الى المشرفين على المراكز الصيفية. واكد انها مجرد ظنون، وان المراكز الصيفية لا تعمل في الظلام، وما تدرسه او تلقيه كله يكون تحت اشراف الجهات المسؤولة، ولذلك فليس هناك مجال لاتهامات ضد هؤلاء المشرفين، مؤكدا انهم يجب ان يشكروا على جهودهم وتوفيرهم للبديل الآمن للشباب.
ورأى ان تجربة المراكز في السعودية لم تنصف بعد، وطالب بدراستها من قبل المختصين الاجتماعيين والتربويين، ومن ثم يقيم اداؤها. اما الحديث عن الاغلاق فهو حديث مجحف ولا يفيد المجتمع في شيء.
خدمات جليلة للشباب
نفى الدكتور عبد الاله العرفج رئيس قسم تقنية التعليم في جامعة الملك فيصل بالاحساء، ان تكون المراكز الصيفية بؤرا لاي فكر منحرف لا يتماشى مع الافكار السائدة والغالبة في السعودية، وقال ان الذين يريدون اغلاق المراكز يريدون ان يتجه الشباب الى الشارع والفراغ، لتتحقق اهدافهم من عدم التزام وغيره، وراى ان المراكز تقدم خدمات جليلة للشباب ولاسرهم، وتعودهم على المسؤولية والابداع في العمل والدراسة، واكد ان حسنات المراكز كبيرة، وانها يجب ان يتوسع في اعدادها، بحيث تكون ضعف العدد الحالي في كل مدن المملكة.
وراى انها يمكن ان تقدم خدمات مهمة بالنسبة إلى سوق العمل، اذا اضيف اليها تعلم حرف مهنية معينة، او تعريفهم باحتياجات سوق العمل.
وذكر العرفج الذي يعد احد كبار المتخصصين في الفقه الشافعي في الاحساء ان تنمية المهارات واكتسابها لا يمكن ان يتم من خلال المدارس وحدها، بل يجب على الدولة ان تفكر في اكثر من وسيلة يتم بها اكتساب هذه المهارات، ومن هنا جاءت فكرة المراكز الصيفية، واكد انها نجحت في مهامها بامتياز تحسد عليه.
وندد بشدة بمحاولات ربط المراكز بالانحراف الفكري والارهاب، واعتبره ربطا عشوائيا لا يسنده دليل، مشيرا الى ان المراكز يشرف عليها اناس فضلاء وممتازون لا يرضون باي افكار هدامة تتسرب عبر المراكز التي يشرفون عليها، كما ان الدولة تدعم هذه المراكز وتشجعها، ولو ثبت انها بؤر للارهاب كما يردد البعض لما ترددت في اغلاقها.
واكد ان المراكز يمكن ان تقوم كذلك بادوار ايجابية في محاربة العنف والارهاب، لانها محاضن امنة، ويمكن من خلالها تزويد الشباب بالعدة الفكرية اللازمة لكي يستطيع ان يحاجج أي من يحاول اقناعه بالفكر المتطرف.
وقال العرفج ان المراكز يجب ان تكون ظاهرة في السعودية، وان تؤسس على مدار العام، وليس في فترة الاجازات فقط، وان تعطى صلاحيات وتمويل اكبر حتى تنفذ افكارا جديدة تشجع بها الشباب لمزيد من الاقبال عليها.