أوباما والخطاب العقلاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صلاح الجودر
الفرصة التاريخية التي يحظى بها الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما قد لا تتكرر لأي زعيم أمريكي آخر، فالإصلاح والتغير الذين وعد بهما في أيام حملته الانتخابية يجب أن تنطلق من مكتبه ومقر إقامته وفي فترة رئاسته، وأن يقودها بنفسه لا بيد الآخرين الذين قد لا يعجبهم هذا التوجه العقلاني المعتدل، فالعالم اليوم ينظر إلى الولايات المتحدة بأنها سيدة الموقف والحضارة، وأنها التي تبدأ الحرب وتنهي القتال، لذا يجب أن تعلن عن استراتيجيتها الجديدة في العصر الأوبامي!.
لقد جاء إعلان الرئيس الأمريكي الأخير ليكشف عن استراتيجي الأمن القومي الجديدة والمختلفة عن سابقيه، فقد تناول الرئيس أوباما الخطوط الرئيسية للسياسة الأمريكية مع شعوب ودول العالم، وعلى رأسها وأد وإنهاء استخدام مصطلح (الحرب على الإرهاب)، هذه الاستراتيجية التي ستعلن الإدارة الأمريكية عن تفاصيلها ودقائقها لاحقاً ستؤكد على أن هناك خطاباً أمريكيا جديداً بدأت ملامحه في الظهور منذ تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة.
المتابع للخطابات الرئاسية منذ تولي أوباما مقاليد الحكم قبل ستة عشر شهراً يراها وقد نقحت من مصطلح الإرهاب والإرهابيين الذين أفسدا العلاقات ووترا الأجواء مع الكثير من الدول والمجتمعات، بل كانت سبباً لزعزعة الأمن والاستقرار في الكثير من دول العالم بدءاً من الولايات المتحدة مروراً بأوروبا وآسيا والشرق الأوسط، فالخطابات الرئاسية الأخيرة تتناول الأعمال التخريبية والتدمير بمصطلحات بعيدة عن مصطلح الإرهاب والإرهابيين، وتكتفي بمصطلحات (الأعمال الإجرامية والخارجة عن القانون).
لقد جاء خطاب أوباما الأخير ليؤكد على صحة تحليلاتنا واستنتاجاتنا بأن الخطاب الأمريكي الجديد يختلف عن سابقيه من حيث المضمون والأفكار والمصطلحات، فهو يتجنب استخدام مصطلح الإرهاب والإرهابيين في الكثير من القضايا والحوادث ومنها الحادثة الأخيرة في نيويورك، فالمصطلحات (الإرهاب والإرهابيين) التي تناولتها وسائل الأعلام وبشكل فج منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م حينما تم ضرب مركز التجارة الدولية ووزارة الدفاع الأمريكية(البنتاغون) هي في طريقها للزوال.
يتسابق المحللون والمراسلون وأصحاب الأعمدة اليوم لتحليل خطاب الرئيس الأمريكي أوباما الأخير، وتحليل أبعاده وأهدافه، خاصة وأننا اليوم نعيش مرحلة ما بعد العصر البوشي(الابن) الذي وضع نظرية (إما معنا أو مع الإرهاب)، فبوش الابن قد روج لمصطلح الإرهاب(Terrorism)عند الأمريكان كثيراً، وساعده على ذلك أجهزة الاستخباراتCIA وFBI ، الأمر الذي دفع بالكثير من الدول إلى استخدام هذا المصطلح لتصفية خصومها السياسيين مما فرخ وأنتج عقولاً مفخخة، ومعاقل مدمرة، وماكينات لتأجيج وتحشيد هواة العنف والخراب الدولي!.
في الحادي عشر من سبتمبر 2001م تم تدشين هذا المصطلح الإرهاب(Terrorism) واليوم مع خطاب الرئيس الأمريكي أوباما يتم الإعلان عن وأد ودفن هذا المصطلح، والسبب أن المجتمع الدولي بعد تسعة أعوام من الصراع والقتال أكتشف أن هذا المصطلح كان وبالاً وآفة وداءً تعيش منه الكثير من أصحاب الأفكار المتطرفة والمتشددة، لذا جاء في خطاب أوباما الأخير أنه قال: ( أمننا على الأمد البعيد لن يتحقق من خلال قدرتنا على إثارة خوف الشعوب الأخرى، بل من قدرتنا على تحقيق تطلعاتها)، وهذه هي الحقيقة التي تفهمها الرئيس الأمريكي أوباما وكانت خافية عن سابقه(بوش الابن)، فالمتتبع للأوضاع الدولية اليوم يرى بأن الولايات المتحدة ليس بمقدورها معالجة كل المسائل بمفردها، بدءاً من قضية الشرق الأوسط، ومروراً بنزع أسلحة الدمار الشامل، وانتهاءً بتسوية النزاعات الدولية والإقليمية، فهذه لا يمكن معالجتها إلا بشراكة دولية.
إستراتيجية الأمن القومي تقع في 52 صفحة سيعلن فيها عن انتهاء خطاب الحرب على الإرهاب والتي دشنها الرئيس السابق (بوش الابن)، هذا التوجه يكشف عن تخلي الإدارة الأمريكية عن هذا المفهوم الذي أساء كثيراً للعلاقات التي تربط بين شعوب العالم، فهل نشهد صدق الأقوال بالأفعال، ونحول هذا القرن إلى قرن التسامح والتعايش والتحاور؟!.