جريدة الجرائد

صراع الفتاوى وفك الارتباط!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خالد قماش


قضى مجتمعنا المسلم المسالم ردحا من الزمن يقوم بفتوى ويجلس بفتوى، يأكل بفتوى ويشاهد الحياة بمنظار الفتوى، حتى النوم والدخول إلى الخلاء لا بد من فتوى تبيح أو تحظر، تحلل أو تحرم!
بعدها تداخل الدين مع السياق المجتمعي بشكل دقيق ومفصل، وبدأ الوعي الديني للأسف ينمو بشكل أفقي، حيث تتناسخ الأفكار، وتتطابق الأشكال، وتتكرر المفاهيم بشكل كربوني عقيم.
كان للفتوى جهة رسمية مخولة بذلك، تسير وفق توجهات معينة واتجاهات منضبطة ومقننة، ولم يكن يقبل من أية جهةٍ كانت داخلية أو خارجية التدخل، مع أن الجهات الخارجية كانت حججها قوية وتستند إلى علم شرعي عميق، ومباحث فقهية قوية ومقنعة، إلا أن المجتمع تأدلج على مذهب واحد ومصدر وحيد، وتبرمج على الصوت المطلق، الذي يثق في توجهه الديني الخالص، ويراهن على مصداقيته ونقاء سريرته.
وها هو هذا المجتمع المسلم المسلم الآن تتقاذفه الفتاوى يمنة ويسرة، وتطوح به أمواج متلاطمة من تيار ديني واحد، خرجت منه أصوات كانوا ذات زمن رموزا للتشدد الديني في المؤسسة الدينية وخارج المؤسسة الدينية، وبين الفئة والأخرى نقرأ فتوى لأحدهم تخلخل مفاهيم دينية سادت وفرضت وتبناها ذلك التيار، لنجد خصومه هذه المرة ليسوا من التيار المضاد أو المسمى بالعلمانيين والليبراليين بل من ذات التيار الديني الذي كان متماسكا وبدأت رياح التغيير تهب عليه وتداعبه بنسماتها، فأصبحوا يتصدون لبعضهم البعض بلغة عنيفة ومناكفات شرسة تصل أحيانا إلى التسفيه والسخرية المحرمة شرعا، والإشكالية أن هذه المعاراك الكلامية والتنظيرية لم تحتو داخل البيت الصحوي بل طفحت على السطح بشكل مقروء أو مسموع ومشاهد عبر وسائل الإعلام ووسائط التقنية المختلفة.
الكثير من المراقبين يرون أن هذا الاختلاف أفرز تصدعا داخل البيت الواحد، وانشقاقا وخروجا عن تبعية الرأي الأحادي والسكوت عن أحكام فقهية كانت مسلمات ولا يجوز الخوض فيها أو حتى مناقشتها في زمن ما، وآخرون يرون أنها ظاهرة صحية تعيد للتيار الديني حيويته، وتوجد حراكا يتقاطع فيه المثقف مع رجل الدين مع رجل الشارع البسيط؛ لخلق مناخ خصب للتعددية الاجتماعية والدينية، وهذا من شأنه فك عقد مركبة شكلت احتقانات نفسية وأصبحت ذات أبعاد إنسانية محبطة!
وهناك من شكك في النوايا الحسنة لهؤلاء المجتهدين، وعلل هذه الظاهرة بحب الظهور والاقتسام من كعكة الشهرة، والتسابق المحموم نحو أضواء القنوات الإعلامية والفلاشات الصحافية، لكن نقول إن الزمن كفيل بغربلة كل هذه الظواهر التي قد تكون طارئة على مجتمع لم يتعود على هكذا صراعات بين رموز التيار الواحد.. ويكفي!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف