جريدة الجرائد

يحدث في الكويت!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



علي الظفيري


تبادلنا معاً ذكريات احتلال الكويت قبل عقدين من الزمن، لكل منا حديثه وهمومه الخاصة عن تلك الأيام، كان ربّ أسرة حينها، وروى حجم الصعوبات التي تعرض لها يوم دخول القوات العراقية أرض الكويت في الثاني من أغسطس عام 90، وقصة خروجه وعائلته من البلاد متجها إلى السعودية، حاولت معه استعادة المشاهد التي غابت عني، وأن أستكمل الصورة المشتتة في ذهني عن تلك الفترة، كنت حينها في الخامسة عشرة، وأنتظر مباراة حاسمة مع فريق الحارة المجاورة، خجلتُ من إخباره أن إلغاء تلك المباراة كان الخبر الأسوأ لي حينها، لم أتخيل أن هذه الحادثة ستغير وجه التاريخ العربي وتحرف مساره، كم هو مؤلم إدراك ذلك واسترجاعه بعد عشرين عاما على مروره.
تحدثنا عن كويت هذه الأيام مطولا، رأيي أن البلاد توقفت عند عام 90، ثمة شيء في النظام والدولة والمجتمع لم يتجاوز ذلك التاريخ، أو قل لم يتجاوزه بالشكل السليم والمطلوب، لكنه وهو الخبير -بالشأن الكويتي- كانت نظرته للأمور أكثر تشاؤماً، يرى أن الحال في البلاد تراجعت لما هو أسوأ من العام 90، لقد استنزف كثير من الرصيد الكويتي السابق والكبير، فماذا يجري في الكويت؟
يمكنك أن تملأ عشرين صحيفة كاملة بالتفاصيل التي تجري في ذلك البلد النفطي الصغير، أخبار مجلس الأمة والاستجوابات وأزمة الكهرباء ودرجة الحرارة القياسية وانهيار الخدمات العامة -قياسا على كانت عليه- والفساد المستشري وغيرها من الأمور، لكنك مع ذلك لن تفهم ما يجري بشكل دقيق إن لم تنظر للصورة من منظورها الأوسع، فما يحدث أكبر بكثير من التفاصيل الصغيرة، الأمور باتت مأزومة بشكل كبير ومعقد، وكثير من القناعات الوطنية الكبرى انهارت، أصبح النظام خصما في مسألة الديمقراطية والحريات، وهذا مكمن الخطر المحدق.
محمد عبدالقادر الجاسم صحافي وناشط سياسي بارز في الكويت، يمكن وصفه بأنه الأكثر جرأة والأكثر تحرراً من كل القيود في نقده لرموز الحكم في الكويت، كان قبل سنوات رئيسا لتحرير صحيفة يملكها أحد "الشيوخ" المتهمين بأكبر سرقة في تاريخ الكويت في قضية الناقلات النفطية الشهيرة، لكنه بعد خروجه من الجريدة استدار استدارة كاملة نحو خانة المعارضة السياسية والنقد القوي تجاه رموز الأسرة الحاكمة، وفصّل كثيرا في خلافاتها وتقاطعاتها في إدارة شؤونها الداخلية وشؤون البلاد، وقيل إنه لامس بكتاباته أمير البلاد الحالي، والأمير حسب الدستور -ذاته مصونة- ويجُرّم تناولها أو المساس بها، الرجل اعتُقل قبل أسابيع بعد قضايا رفعها ضده وزير شؤون الديوان الأميري وهو ابن أمير البلاد، كما واجه قضايا عدة في المحاكم مرفوعة من قبل رئيس الوزراء، ويمكن لنا من شخصية الجاسم وأزمته المثارة في الكويت أن نفهم أشياء كثيرة تحدث هناك، منها ما له علاقة بالطريقة التي تم التعامل معه بها من قبل الدولة، ومنها ما له علاقة بما يكتبه.
في موقع "الميزان" الخاص بالجاسم، مقالات كثيرة تُفصّل في شخصية وطريقة إدارة وتعامل كبار رموز الحكم في الكويت، لا يتهاون الرجل في ذكر التفاصيل والخلافات والتحالفات البينية والمواقف الرئيسية لكل قطب من أقطاب الأسرة الحاكمة، والتفاصيل تعطينا صورة سوداوية لما وصلت له أمور الإدارة في الكويت، من حيث قدرات الأفراد أنفسهم وطريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الخلافات والانقسامات، والصراع الكبير بينهم للحصول على حصة أكبر من إدارة البلد ومقدراته، وعدم ترددهم في استخدام كافة الأساليب في الخصومة القائمة بينهم، وأثر هذا التطاحن الكبير على حالة الاستقرار والنماء في الكويت، فالكل يستخدم ما يتاح له من مال وإعلام وأعضاء برلمان في خصومته مع الطرف الآخر، ما أفقد رموز الحكم هيبة كانوا يتمتعون بها سابقا وتؤهلهم لإدارة البلاد وأزماتها المتلاحقة، زد على ذلك حقيقة مواقفهم من الديمقراطية في الكويت واستياءهم الكبير من الهامش الذي تتيحه للنقد والمحاسبة والمراجعة، فبدأت الظاهرة الأخطر عبر استخدام الديمقراطية ذاتها لتفريغ الديمقراطية من مضمونها بشراء الولاءات وإدارة الصراعات تحت قبة البرلمان بواسطة نوابه المنتفعين من هذا الانقسام، ومحاولة استنفاد الأدوات البرلمانية لتكفير المجتمع بالديمقراطية التي ينعم بها.
يحدث هذا بموازاة تشديد الإجراءات تجاه المنتقدين والتعسف في استخدام الأدوات القانونية تجاه المعارضين للصوت الحاكم، والطريقة التي تم التعامل بها مع قضية المحامي والصحافي محمد الجاسم خير مثال على ذلك، ومن هنا كان لاعتقال محمد الجاسم والمضمون الذي تحمله مقالاته ومؤلفاته عن الكويت رمزية وأهمية كبرى في فهم الأوضاع التي تمر بها البلاد حاليا، لذا يمكننا الاتفاق كحد أدنى -أنا وصديقي- على أن الكويت تبدو إما في صدمة العام 90 من القرن الماضي، أو أن الأمور باتت أسوأ من ذلك بكثير!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف