تغيير الجنرالات لن يضع نهاية للحرب في أفغانستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
سبب استقالة الجنرال ستانلي ماكريستال التحقيق الذي نشرته مجلة "رولنغ ستون"، فقد شعر الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن ماكريستال جرحه شخصيا، هو الرئيس الأميركي والقائد الأعلى للقوات المسلحة والمتخبط في أزمات كثيرة اقتصادية ونفطية وسياسية، إضافة إلى أزمة أفغانستان. في كلمته بعد قبوله الاستقالة وتكليفه الجنرال ديفيد بترايوس، أصر الرئيس على القول إنه لا تغيير في الاستراتيجية هناك. والحقيقة أن الجنرال بترايوس لعب دورا" أساسيا في وضع هذه الاستراتيجية التي احتاجت إلى ستة أشهر تقريبا" من النقاشات والتعديلات.
لكن، إذا كانت استقالة ماكريستال لا تعكس تغييرا في الاستراتيجية، إلا أنه من الصعب الاعتقاد بأن تلك الاستراتيجية ناجحة حتى الآن، والدليل أن تغيير القيادة الأميركية جاء في وقت يشعر فيه طالبان بأنهم يربحون الحرب، وهناك شعور في الغرب بأن الحلف الأطلسي يخسر تلك الحرب، والأفغان لا يثقون بحكومة حميد كرزاي التي لا تتجاوز سلطتها مركز الشرطة في جنوب العاصمة كابل، كما أنهم يشككون في التزامات ونيات أميركا تجاه أفغانستان.
في يونيو (حزيران) من العام الماضي عندما اختير الجنرال ماكريستال للمهمة الأفغانية، قيل إن ذلك قد تم نظرا لما يُعرف عنه بأنه يقول ويفكر بما لا يجرؤ عليه الضباط الآخرون. هو التزم بسمعته في تحقيق "الرولنغ ستون" فكلفه ذلك عمله، كما أصاب رذاذ الأمر الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان. وزير الدفاع روبرت غيتس شخصيا اختار ماكريستال، واصفا إياه بأن لديه رؤية وثباتا في الفكر لتحويل تلك الحرب، وقد حل يومها محل الجنرال ديفيد ماكيرنان الذي "أطيح" به، لأن السياسيين في إدارة أوباما رأوا الحاجة إلى "نهج أكثر جرأة وإبداعا في مسار الحرب في أفغانستان". وهكذا جاء "ستان الرجل" كما كان يطلق عليه، بتوقعات عالية جدا. وإضافة إلى طلبه للمزيد من القوات (أعطي ثلاثين ألف جندي)، أكد أنه سيركز على مكافحة الإرهاب وبالتالي لن يعتمد كثيرا على الغارات الجوية. لكن ما إن تسلم مهامه، حتى أعد تقريرا "سريا"، (تم تسريبه) كتب فيه: "إن الفشل من استرجاع المبادرة والإطاحة بزخم المتمردين في الأشهر الاثني عشر المقبلة، أي بانتظار أن تنضج قدرة قوات الأمن الأفغانية، سيجعلان من الصعب إلحاق الهزيمة بالمتمردين".
كتب ماكريستال تقريره في شهر أغسطس (آب) الماضي، أي إننا اقتربنا من فترة السنة التي حددها، والمتمردون، أي طالبان، ازدادوا قوة. عملية "مرجا" في مقاطعة هلمند التي شُنت في منتصف شهر فبراير (شباط)، لم تنجح كما كان متوقعا، وبدأ طالبان يعودون إلى المناطق التي أُجلوا منها. وعملية أخرى ضد طالبان في قندهار تم تأجيلها على الأقل لشهرين، وذلك بسبب تردد باكستان في الإغارة على قواعد المقاتلين في مناطق القبائل شمال وزيرستان. هذه القواعد مهمة جدا لتجنيد وتدريب الجهاديين.
في السادس عشر من الشهر الماضي، وأمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، أكد الجنرال ديفيد بترايوس الشكوك العسكرية الأميركية في موثوقية جهاز الاستخبارات الباكستاني. قال: "من دون شك، في داخله شبكة من العلاقات، بعضها يعود إلى عقود عندما لجأنا إلى جهاز الاستخبارات الباكستاني لبناء المجاهدين الذين استعملناهم لإخراج السوفيات من أفغانستان، بعض تلك العلاقات استمر بأشكال مختلفة منها لجمع المعلومات الأمنية". وأضاف بترايوس أن هذا النوع من التجسس يتطلب الاتصال بـ"أناس سيئين" للحصول على معلومات أمنية. كان بترايوس يعلق على تقرير أعدته كلية "لندن سكول أوف إيكونوميكس" جاء فيه أن جهاز الاستخبارات الباكستاني مستمر في تمويل، وتدريب، وحماية المقاتلين الأفغان، كما أن لديه نفوذا"كبيرا" على طالبان "أكثر مما كان متوقعا" في السابق.
وكان الجنرال ماكريستال في تقريره السري العام الماضي، أشار إلى وجود عناصر في جهاز الاستخبارات الباكستاني يدعم ويمول المتمردين الأفغان وأن باكستان ملاذهم الوحيد.
غير أن بترايوس في شهادته أثنى على الباكستانيين وعملياتهم لمكافحة المتمردين والجهاديين، لكنه أشار إلى أن هناك مشكلة مع جهاز الاستخبارات الباكستاني وقال: "علينا الاستمرار في إقناع شركائنا الباكستانيين، وأنا أقول هذه الكلمة بإخلاص، بأن هناك التزاما (جديا) من قبلنا، في السابق انسحبنا من المنطقة بطريقة متهورة وتركنا باكستان تتحمل المسؤولية".
ثم قال بترايوس إن المفتاح الآن هو تطوير الشراكة الاستراتيجية: "هم يقومون بالقتال ونحن نقوم بتدعيمهم، إذا أردتم، بالمعدات، وبالتمويل على أن يكون بعض هذا التمويل من دول التحالف ويهدف إلى تعويض الباكستانيين عن الجهود التي يبذلونها من أجل تأمين خطوط اتصالاتنا عبر أرضهم، ولا بأس من التدريب حول تبادل المعلومات".
باكستان كانت وستبقى "جزءا" من الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان. ودفاع بترايوس عن باكستان وجهاز استخباراتهم يعود إلى دور آخر فصّله الأميركيون لباكستان. ذلك أن الجنرال ماكريستال نقل "إنجازاته" في العراق (توصل إلى قتل أبو مصعب الزرقاوي) إلى أفغانستان واعتمد على فرق خاصة للقتل، مكونة من عملاء خاصين ومتعهدين، كانت أهدافهم مطاردة شخصيات تعمل ضد الأميركيين في باكستان وأفغانستان.
الجيش الأميركي اعتمد أيضا نظام استجواب سري في السجون الباكستانية واختار مسؤولين أمنيين باكستانيين لانتزاع المعلومات. أشهر السجون الأميركية في باكستان سجن "أديالا" في روالبندي، وفيه أكثر من ألفي سجين من الجهاديين، أغلبهم برأتهم محاكم ضد الإرهاب، لكنهم لا يزالون معتقلين.
السبب هو أن لهم علاقات على مستوى عالٍ مع تنظيم القاعدة، لهذا فإن أجهزة الاستخبارات العالمية يهمها دائما أن تستجوبهم. ولأن كل ما يجري مخالف للقانون، إن من لحظة الوصول إلى السجن، أو بدء التحقيق معهم، فقد تم "توظيف" ضباط شرطة باكستانيين من قبل هذه الأجهزة للتحقيق المستمر مع السجناء، وبعد ذلك تنقل المعلومات إلى أجهزة الاستخبارات في الخارج.
عملية تحويل بعض السجون الباكستانية إلى مراكز اعتقال أميركية، بدأت قبل ماكريستال، واستمرت معه، وهي تسببت في أذى كبير للجهاديين. وذكرت تقارير أن الهجوم في شهر مارس (آذار) عام 2009 على فريق الكريكيت السريلانكي في لاهور كان هدفه أخذ رهائن واستبدالهم بمساجين من الجهاديين، كذلك الأمر بالنسبة للهجوم الذي شُن على أكاديمية الشرطة في لاهور في الشهر نفسه. وهذا الأسبوع خطف مسلحون 33 جنديا "باكستانيا" في منطقة "موهماند"، وطالبوا بتبادل السجناء.
العارفون، يتوقعون مع تسلم الجنرال بترايوس موجة من العنف لإحراجه ولإطلاق سراح الجهاديين. ويتخوف هؤلاء من أن يصبح سجن "أديالا" نقطة اشتعال جدية، ومعقلا للجهاديين، تماما كما حدث مع "المسجد الأحمر" عام 2007. وهذا ما تتخوف منه باكستان وقد تبدأ برفض الاستمرار في التحقيق مع السجناء، الأمر الذي يضر بالجزء السري من الاستراتيجية.
أما بالنسبة إلى الحرب في أفغانستان فإنها طويلة، وكان الجنرال ماكريستال عبر عن قلقه من تعهد الرئيس أوباما بالبدء بسحب الجنود الأميركيين في شهر يوليو (تموز) المقبل. بعد تعيين بترايوس، قالت السناتور ديان فانيشتاين رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، إن هذا التوقيت يجب تأخيره إذا ما رغب الجنرال بترايوس.
إن أفغانستان تدخل في لعبة "أوراسيا" الكبرى، ولها علاقة بتفكير البنتاغون في الهيمنة، والوجود الأميركي فيها يراقب روسيا والصين. وسيبذل بترايوس جهده، إذا ما استطاع، للقضاء أو لإغراء طالبان، لأن الهدف يبقى خط الأنابيب عبر أفغانستان، لنقل غاز تركمانستان إلى الأسواق الغربية، ولإفشال ما تسعى إليه إيران عبر خط أنابيب إيران - باكستان.
باختصار، إنها حرب لا نهاية لها!