التجسس.. أو المعركة التي لا تهدأ!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يوسف الكويليت
عودة حرب الجواسيس يبدو أنها لن تنتهي، فحتى الأصدقاء والحلفاء لهم عيون حساسة تجول في مواقع الإنتاج الاقتصادي والتجاري وعوامل نجاح أي سلعة، وهناك التجسس التقني والعسكري ومراكز صناعة القرار، بمعنى أن المعركة دائمة في ظل الحرب أو السلم..
إسرائيل نجحت في حروبها معنا لأنها جيّشت وسائلها وعيونها وقدرات حلفائها بكشف المستور في مستودعات أسرارنا العسكرية والأمنية، وتعاملت مع هذه القضايا بالتحليل والدراسة ، وقد نجحت وأخفقت إذ كانت مفاجأة حرب يوم الغفران (١٩٧٣م) مذلّة وقاصمة رغم توفر المعلومات لديها التي رأت فيها مجرد تسريبات عربية لرفع درجات الشعور العام عند شعوبهم، ومع ذلك لم تتجاوز الهزيمة بل وضعتها على لوائح التشريح لترى أين كان مكمن القصور ، وحتى في حروبها مع لبنان ظلت تقديراتها، في بعضها، خاطئة، لكن آخر معاركها ما كُشف في الأيام الماضية عن مهندس في الاتصالات اللبنانية كان يقدم كل المعلومات والمكالمات الحساسة لإسرائيل..
بين أمريكا وروسيا، رجعت دوامة التجسس من جديد، أي أن مخلفات الحرب الباردة دخلت السبات، ولكنها لم تمت، وباكتشاف خلية الجواسيس داخل أمريكا لصالح الروس، بدأت الدولتان كشف حسابات جديدة، وبين من يُثبت، وينفي، يبدو أن المواجهة أخذت دوراً آخر، أي أن الأيدلوجيا ليس لها موقع في هذه العملية، بل عوامل التنافس في أكثر من ميدان، ولعل التوقيت الذي أعلنته أمريكا لايبدو أنه يريد انتزاع تنازلات في صفقة ما، والدليل أننا اعتدنا ، في حرب هذه العمليات في السابق، تبادل الاتهامات ونشر أسماء العملاء المقبوض عليهم، بينما في الواقعة الجديدة، كانت أمريكا هي المبادرة والمستغربة أمام نفي روسي وبأن الموضوع مختلق من أساسه..
لقد كان التنافس بين القوتين في السابق أن أصبح التجسس جزءاً من الحرب النفسية بتسجيل نقاط تفوق على الآخر، لكننا في موازين التقنيات الحديثة التي لم يعد هناك أسرار موجودة أمامها، يبدو أن أمريكا تتفوّق على روسيا في هذا المجال، بل وبينهما فارق كبير، لكن الأمور الجانبية، وخاصة فيما تزعم روسيا أن الطبخة تمت لإفساد مجال التقارب بين البلدين، فإنه حتى في هذا القول يمكن أن يُقبل من دولة تفترض المؤامرة في أي تصرف ما، لكن أمريكا تواجه رأياً عاماً لا يقبل أن يكون ضحية تدليس أي جهة أو زعم لا يرقى إلى الحقيقة..
في هذه الأجواء، هل يمكن تجاوز العملية في نطاق التحقيق والإدانة الصامتة حتى لا تحدث هزة في علاقات الدولتين، لأن لكل منهما مشاكله التي تحاصره بحيث يتم تسوية المشكلة دون عواصف جديدة؟!
من يفهم الدبلوماسية المرنة يفترض ذلك، ومن يردْ تصعيد المشكلة باعتبارها انتهاكاً لأسرار بلد والتدخل في صلب أمنه، يبرر اتخاذ مواقف حادة، لكن إذا كانت الأمور لم تصل إلى الحصول على معلومات خطيرة تمس الأمن القومي الأمريكي، فربما تعتبر حالة تتكرر ويمكن عدم تحويلها إلى معركة، وهذا ما يجعل العقل عند الكبار هو الذي يتجاوز الحساسيات والخلافات..