الأمريكيون وجنرالاتهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اسامة الشريف
الامريكيون شعب يقدس جنرالاته أكثر من سياسييه، وهي ظاهرة لافتة بالنسبة لدولة/قارة نجحت في ابقاء العسكر بعيدين عن شؤون ادارة الدولة تحت كل الظروف. لم تشهد الولايات المتحدة انقلابات عسكرية في تاريخها على الرغم من خوضها حربا اهلية مدمرة وحروبا دموية عديدة في شتى انحاء العالم. وهناك من يعتقد ان جل تاريخ امريكا منذ قيامها عسكري، وانها لو حذفت معاركها وحروبها، انتصاراتها وهزائمها، لما كان لديها حكاية ترويها.
مناسبة الكلام امتعاض البيت الأبيض من تصريحات صحفية ادلى بها الجنرال ستانلي ماكريستل، وهو القائد الميداني للقوات الأمريكية في افغانستان، والتي سخر فيها من قلة حيلة رجال الرئيس اوباما وضعفهم وترددهم في اتخاذ القرار. انتقادات ماكريستل اعتبرت مهينة للرئيس اوباما ولطاقمه المسؤول عن تنفيذ سياسة واشنطن تجاه الحرب في افغانستان. ورغم حساسية الظرف الميداني العسكري فان الاطاحة بالجنرال حدثت بسرعة.
يعج التاريخ الأمريكي بجنرالات سطروا فصولا مثيرة عبر فتوحاتهم واخفاقاتهم. وكان أول رئيس للولايات المتحدة، وهو جورج واشنطن، جنرالا قاد الثورة ضد الانجليز وهزمهم في ما يسمى بحرب الاستقلال. وفي حروب الولايات المتحدة ضد السكان الاصليين، أو الهنود الحمر، يظهر الجنرال جورج كستر كشخصية تراجيدية ارتبط اسمها بهزيمة كبرى في معركة "ليتل بيغ هورن" في عام 1876 انتهت بمقتله وذبح من معه.
ويعظم الامريكيون الرئيس تيدي روزفلت الذي انبرى لقيادة كتيبة صغيرة في كوبا اثناء الحرب الاسبانية جعلت منه بطلا قوميا. وتحيط بروزفلت هالة من الاعجاب فهو بالنسبة للامريكيين شخصية رومانسية فقد كان صائدا للدببة ومكتشفا وبحارا وملاكما وسياسيا وجنديا ايضا. وفي المقابل فهناك اسطورة عسكرية امريكية اسمها الجنرال دوغلاس ماك أرثر، وهو الذي حرر الفلبين من قبضة اليابانيين الذين كانوا قد اخرجوه من الارخبيل وقال حينها جملته الأشهر: لكني سأعود! وعندما دحرت اليابان كان ماك أرثر هو من تسلم وثيقة الاستسلام، وهو ايضا من خط مواد الدستور الياباني وحكمها كامبراطور غير متوج. لكن ماك أرثر لم يكن راضيا عن سياسة الرئيس ترومان وخالفه الرأي علنا حول ادارة الحرب الكورية ما دفع الرئيس لاقالة الجنرال المتمرد رغم تخوفه من ردود الفعل الساخطة نظرا للشعبية العالية التي كان يتمتع بها.
كما يبجل الامريكيون جنرالا تحول ايضا الى اسطورة وهو جون بيرشنغ الذي قاد القوات الامريكية في الحرب العالمية الاولى في اوروبا وعاش ليشهد دخول امريكا الحرب الثانية. وقد دار جدل طويل بعد وفاته حول ترقيته بمنحه نجمة سادسة استثنائية تقديرا له.
يتذكر الامريكيون بطولات جنرالات الحرب العالمية الثانية من امثال برادلي ومارشال وايزنهاور، الذي اصبح رئيسا فيما بعد، وباتون محرر اوروبا. ويخلد الامريكيون جنرالاتهم باطلاق اسمائهم على اسلحة ودبابات ومدافع. كما يتهكم البعض على اخفاقات جنرالات من امثال الجنرال وليام ويستمورلاند، قائد العمليات في حرب فيتنام بين عامي 1964 و1968 والذي ظل حتى آخر ايامه يردد بأن امريكا لم تهزم في الحرب. وهناك ايضا فضيحة ايران-كونترا التي كان احد ابطالها العقيد اوليفر نورث، والتي اطاحت بشخصيات عديدة من بينها وزير الدفاع في ادارة الرئيس ريغان كاسبر واينبرغر.
ونعرف نحن العرب الجنرال كوللن باول الذي كان قائدا لهيئة الاركان ابان حرب تحرير الكويت، ونتذكر ايضا قائد قوات التحالف آنذاك الجنرال نورمان شوارزكوف الملقب بالدب. وباول كان أول جنرال من اصول افريقية يعين قائدا لهيئة الاركان المشتركة وفيما بعد اصبح أول وزير خارجية اسود في تاريخ امريكا.
بين التبجيل والازدراء يظل الامريكيون مشدوهين بجنرالاتهم، ربما لانهم يمثلون الشخصية النمطية الرعناء التي يحب الأمريكيون ان يروجوها عن انفسهم. فعلى الرغم من سقطة ماكريستل الا ان هناك من يبدي اعجابه بنبرة التحدي التي صدرت منه. الامريكيون عاشقون لشخصية "المافرك" أو الخارج عن قبيلته؛ المستقل الذي يتحدى السلطة وحيدا. ربمــا كـــان ذلــك السبــب الذي جعل من اعتى مجرمي امريكا، من امثال آل كابون وجيسي جيمس وبيللي ذا كيد، ابطالا ايضا!