أنقرة "تحسّ بالسخن" في واشنطن ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سركيس نعوم
- 3 -
المتابعون الاميركيون للاجتماعات غير الرسمية بين دمشق وواشنطن والتي استؤنفت بعد توقف استمر سنة وبضعة اشهر، والتي اشرنا اليها امس، يشيرون الى ان انطباعاً من اثنين تكوَّن عند مشاركين اميركيين فيها. الأول، هو ان المسؤولين في دمشق لا يعرفون اميركا. والثاني، انهم يعرفونها جيداً لكنهم لسبب أو لآخر يوحون بجهلهم لها أو بمعرفتهم الجزئية لها. فمع اميركا لا تمشي إلا سياسة التسوية (Compromise). فهي دولة قوية وغنية ورغم ذلك فانها تقدم تنازلات بغية التوصل الى اتفاقات مع اي جهة دولية أو اقليمية لها مصلحة معها، والهدف هو حفظ مصالحها وحمايتها. أما سوريا فإنها تأخذ ولا تعطي عادة. أو تأخذ قليلاً و"تقسّط" العطاء لمدة طويلة بحيث يفقد قيمته. طبعاً كان الرئيس الراحل حافظ الاسد استثناء في هذا الموضوع، ولكن في القضايا الاساسية والمهمة التي ترتبط بمصالح نظامه وبلاده فهو التزم هدوءاً حقيقياً على جبهة الجولان، أي على "الحدود" مع اسرائيل، وحافظ عليها طوال ثلاثة عقود وبضع سنوات. لكنه في الوقت نفسه استمر في التزامه مقاومة اسرائيل وإن على نحو غير مباشر معظم الأحيان أي عبر لبنان، أولاً من خلال الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه، وثانياً من خلال "حزب الله" اللبناني. وقد نجحت مقاومته الثانية اذا جاز التعبير على هذا النحو.
ويشير المتابعون الاميركيون انفسهم ايضاً الى انطباع آخر تكوَّن عند مشاركين اميركيين في الاجتماعات المستعادة المذكورة اعلاه يفيد بوجود اقتناع في دمشق بأن ما تعرض له "اسطول الحرية" او "الفلوتيلا" المتوجه الى غزة قبل اسابيع على أيدي الجيش الاسرائيلي ابرز دورين اقليميين مهمين هما دور سوريا بشار الاسد وتركيا حزب العدالة والتنمية. ويفيد في الوقت نفسه بوجود اقتناع بأن ذلك أضعف دور الجمهورية الاسلامية الايرانية. ويشيرون، ثالثاً، الى انزعاج تركيا من التردي الذي بدأ يشوب علاقاتها مع اميركا وتحديداً مع ادارة باراك اوباما. وقد عبّر عن ذلك مسؤول برلماني في تركيا ينتمي الى الحزب الحاكم، بطبيعة الحال، كان يزور واشنطن محاولاً توضيح الكثير من سياسات حكومة بلاده ومواقفها، ولا سيما منها تلك التي ازعجت اميركا واثارت داخل الادارة تساؤلات كثيرة. وهو التقى عدداً من اعضاء الكونغرس وأحس "بالسخن" اي بالحماوة في واشنطن ضد تركيا والسبب ان سلبية "تركيا الاسلامية" حيال اميركا، اذا جاز وصفها على هذا النحو، لم تبدأ بسبب انحياز الاخيرة الى اسرائيل وتحديداً بسبب "اسطول الحرية" وما رافقه، بل بدأت من زمان وتحديداً منذ ربيع عام 2003 عندما رفضت هذه التركيا استعمال القوات الاميركية النظامية اراضيها للعبور الى عراق صدام حسين بغية اسقاط نظامه و"العثور على أسلحة دمار شامل" اتهم بامتلاكها أو بالعمل لامتلاكها. واستمرت طوال السنوات التي تلت. ثم تفاقمت اخيراً بالتوجه نحو ايران الاسلامية وتوقيع اتفاق معها ومع البرازيل لحل مشكلة ملفها النووي خلافاً لرأي واشنطن والمجتمع الدولي، ثم بالتصويت في مجلس الأمن ضد العقوبات التي قرر باكثرية 12 عضواً فرضها على ايران لاستمرارها في تحدي الارادة الدولية في الموضوع النووي.
هل تتحسن العلاقة التركية - الاميركية، أو بالأحرى هل تعود الى تميزها السابق لوصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم في أنقرة؟
بدأت المناقشة أو البحث في هذا الأمر بين أنقرة وواشنطن أو بالأحرى استمر منذ بدء الاختلاف بينهما. لكن النتائج لا تزال غائبة، ولا يمكن التكهن بها في رأي المشاركين الاميركيين في الاجتماعات السورية - الاميركية غير الرسمية، ودائماً استناداً الى عدد من متابعي هذه الاجتماعات. فتركيا شعرت بعد زوال الاتحاد السوفياتي الذي كانت تمارس معه مهمة حماية عسكرية - أطلسية ضد تمدده أنها فقدت أهميتها الكبرى اميركياً واطلسياً، كما باتت شبه متأكدة من ان باب العضوية الكاملة في الاتحاد الاوروبي لن يفتح لها. أما حلف شمال الاطلسي، الذي لا تزال عضواً فيه، فانها لن تقدم طائعة مختارة على الانسحاب منه ربما لأن ذلك قد يكون قراراً غير حكيم. اما اذا "طُردت" منه او اذا سعت، على نحو غير مباشر طبعاً، لكي "تُطرد" منه، بسبب مواقفها الجديدة وتوجهها نحو العالم الاسلامي وتحديداً الراديكالي منه، وبسبب تنامي مواجهتها السياسية وربما غير السياسية لاحقاً لاسرائيل، فانها لن تكون "زعلانة" كثيراً. ذلك ان موقفاً كهذا من الحلف المذكور لا بد ان يكسبها موقفاً اقليمياً بالغ الأهمية ودوراً اقليمياً كبيراً جداً، لكنه سيكون دوراً مشابهاً لدور الجمهورية الاسلامية الايرانية الى حد بعيد. وقد يساعدها في استحقاق هذين الموقع والدور قطع علاقتها نهائياً مع اسرائيل. فهل تفعل ذلك؟ لا أحد يعرف. لكن هذا أمر يجب ان تعرفه اميركا. علماً، يتابع المشاركون انفسهم، واستناداً الى المتابعين أنفسهم، ان "المواقف الاسلامية" لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا شعبية جداً أي تزيد من حجم التأييد الشعبي له ولقيادته الحالية المتمثلة بالثلاثي رئيس الجمهورية عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية "الثعلب - الداهية" محمد داود اوغلو. وقد يؤثر كل ذلك سلباً على تركيا العلمانية في رأي هؤلاء التي ربما تفقد وجودها. لكن هل يكون البديل اسلامياً وهابياً أو طالبانياً أو قاعدياً او ايرانياً أو اسلامياً ديموقراطياً قوياً اقتصادياً وحليفاً للغرب وعلى علاقة باسرائيل ومنفتحاً على المنطقة الاسلامية ومشجعاً على الاعتدال فيها، وتالياً صاحب دور مهم فيها؟ طبعاً لا يملك أحد جواباً عن ذلك كله.
ماذا تريد اميركا من سوريا في رأي بعض المشاركين الاميركيين في الاجتماعات غير الرسمية المستعادة بين رجال مال واعمال وشأن عام سوريين واميركيين؟