جريدة الجرائد

أما لهذا الليل العراقي من آخر؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


تركي العسيري

من أمانيي القديمة التي كنت أحلم بتحقيقها "كعروبي تائب"، أن أزور العراق، وأتسلى بشرب الشاي المنعش، وأطالع الكتب القديمة في شارع "أبي نواس"، وأتناول أكلة "المسقوف"، ثم أعرج على جسر المسيب، وأدندن: "على جسر المسيب سيبوني"! وأشبع نظري برؤية (نهر دجلة الحالم)، الذي مرت على ضفتيه كل الأسماء العظيمة التي تختزنها الذاكرة اليعربية! فالعراق الذي علمنا الشعر واللغة والأدب، والحنين إلى الديار، والحزن الجميل الذي يهطل كحبات المطر الربيعي الأخاذ، عبر قصائد "السياب" و"نازك الملائكة"، وفي بحّة "ناظم الغزالي": (وطالعة من بيت أبوها), و(عمي يا بياع الورد)، هذا حين كان في شوارع بغداد ورد يباع !

ما يحدث في العراق من صراعات مذهبية وسياسية، ومن وجبات القتل اليومية، تدمي قلب كل عربي شريف يحب هذا البلد الشقيق، وتتواضع أمامه كل فضائع هولاكو والزنج والصفويين ومذابح الثورات المتعاقبة! أي ذنب جناه هذا الشعب المثقف الأصيل حتى يتعرض لكل هذه الويلات عبر تاريخه الطويل، ما إن تلتئم جراحه، وتداوى أوجاعه حتى تهب من جديد موجة مجنونة من العنف والحقد والقتل المجاني والتهجير الموجع.

ألا يستحق هذا الشعب حياة أجمل وأفضل ؟ أنا بائس وحزين ومحبط مما يجري في العراق، أين ساسة وحكماء العراق من وضع حد لسياسة المحاصصة والإلغاء، وديمقراطية "التمترس المذهبي" البغيض؟ إن على جامعة الدول العربية أن تتدخل، وعلى العرب ألا يتركوا هذا البلد الشقيق نهباً لكل من أراد تدميره، فالعراقيون الحقيقيون هم أحفاد أعمامنا الذين خرجوا من الجزيرة لينشِئوا البصرة والكوفة وبغداد وسامراء وغيرها من حواضر هذا القطر الجميل.

أي تاريخ لنا بدون عراق الشافعي وابن حنبل والرشيد والمأمون والمتنبي، والخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهم ممن أعطى لتاريخنا وجهاً مشرقاً وبهيًّا؟ لا يمكنني ك(عروبي قديم) أن أنسى أن الخليل بن أحمد، ابتكر أوزان الشعر وهو يتجول في أسواق البصرة وبغداد، وأن جدنا الضخم (المتنبي) عاش في العراق، والإمام النابغة الشافعي ومئات الأسماء التي تعلمنا منها كيف نكون بشراً أسوياء متحضرين.

حضارة العراق اللافتة غيّرت "ابن عمنا" (علي بن الجهم) هذا الشاعر البدوي بل المفرط ببداوته، حين جاءها مادحاً بقصيدته الشهيرة: "أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب"! غير أن طبيعة العراق حولته إلى عاشق رقيق المعاني يبوح بونات العشق:

عيون المها بين الرصافة والجسر

جلبنا الهوى من حيث أدري ولا أدري

أعدن إليّ الشوق القديم ولم أكن

سلوت ولكن زدت وجداً على وجد

هو ذا العراق قادر على أن يغيرنا!

فيا أشقاءنا في أرض الرافدين توحدوا، وانبذوا الفرقة والصراع المذهبي والسياسي، رحمة بشعب يستحق حياة كريمة، فقد تعب بما يكفي، إني والله لناصح لكم محب أمين!!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف