هل تمضي العلاقة التركية الإسرائيلية نحو التهدئة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ياسر الزعاترة
لم يكن لقاء وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع وزير الصناعة الإسرائيلي (بن إليعيزر) في بروكسل مستغرباً بحال، وما كان على العارفين بالتعقيدات الداخلية للحالة التركية، وبالتشابك في علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة والغرب سوى انتظار مثل هذا التطور بين يوم وآخر.
لم يكن بوسع حكومة أردوغان التي تستند إلى قواعدها الشعبية (الإسلامية منها على وجه الخصوص)، في مواجهة استمرار التآمر الداخلي من طرف العسكر وطوائف العلمانيين، لم يكن بوسعها سوى التجاوب مع حجم الغضب الذي أصاب تلك القواعد من جرَّاء الجريمة الصهيونية البشعة في عرض المتوسط بحق أسطول الحرية.
نقول ذلك لأن أردوغان لم يحسم بعد صراعه المرير مع العسكر والعلمانيين الذي لا يزالون متجذرين في مفاصل الدولة يتربصون به وبحزبه الدوائر، وإذا ما انفضت الجماهير من حوله ولو بنسبة محدودة، فسيؤدي ذلك إلى إضعافه أمام الرياح الداخلية، فيما لن يسعفه رضا القوى الخارجية التي يصعب عليها التدخل في الشأن الديمقراطي الداخلي بدعم طرف وإبعاد آخر. هذا بفرض ارتياحها لأردوغان أكثر من سواه، الأمر الذي لا يبدو متوقعا، لأن الأخير مهما فعل لن يكون أقرب إليها من القوى العلمانية.
من هنا كان على أردوغان أن يتبنى خطابا واضحا وحاسما في مواجهة الجريمة الإسرائيلية يحفظ له قواعده الشعبية، مع ضرورة الإشارة إلى أن الموقف المذكور ربما كان الأحب إليه وإلى الفريق الأقرب إليه، ومن ضمنهم وزير الخارجية ورئيس الدولة.
ربما قدّر أردوغان أن الغرب قد يتفهم غضبته ومواقفه في ظل بشاعة الجريمة الإسرائيلية، الأمر الذي يبدو صحيحا بقدر ما، لأن مواقفه التي عبر عنها خلال الأسابيع الماضية لم تكن لتمرّ بسهولة لو كان المشهد عاديا ولم تكن ثمة جريمة في صلب المشهد.
على أن الولايات المتحدة بانحيازها العجيب للهواجس الإسرائيلية، ومعها بعض الأوروبيين وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا، لم تكن لتسكت على تصاعد نبرة العداء التركي للدولة العبرية، ولا لمسلسل المواقف الذي تجاوز برأيها الحدود، لا سيَّما أنها تدرك أن أي تصعيد يمنح المزيد من القوة لمحور الممانعة والمقاومة في المنطقة سيضر بها أيضا، هي التي لم تخرج بعد من ورطتها في العراق وأفغانستان. وفي هذا السياق كان المتحدث باسم الخارجية الأميركية واضحا حين قال معلقا على لقاء أوغلو- بن إليعيزر إن "العلاقات بين تركيا وإسرائيل لا تخدم مصالح المنطقة فحسب، بل تدعم مصالحنا في المنطقة أيضا".
لسنا بحاجة إلى كثير من التحليل كي ندرك أية ضغوط مورست على حكومة أردوغان كي تبدأ رحلة العودة إلى الخلف في مسلسل مواقفها حيال الدولة العبرية (يبدو تصعيد حزب العمال الكردستاني والتلويح بقصة مجازر الأرمن جزءاً من تلك الضغوط)، وهي رحلة كانت وستبقى حذرة بهذا القدر أو ذاك، لأن أردوغان لن يتخلى عن مغازلة جماهيره، في ذات الوقت الذي لن يدير ظهره لقوى الخارج ذات السطوة، في ظل إدراكه لحجم ما يتربص به في الداخل، ودائماً من قوىً لا توافق على تصعيده مع الدول الدولة العبرية حتى لو سكتت عليه لاعتبارات عدم استفزاز الناس. وكان لافتا في السياق تصريح الرئيس التركي لصحيفة "التايمز" اللندنية الذي أكد فيه أن بلاده "تنتمي إلى أوروبا".
لذلك كله كان على حكومة أردوغان أن تفسر لقاء بروكسل للناس على نحو معقول، أولا من خلال القول إنه تم بطلب من الطرف الإسرائيلي، وثانيا بالقول إن أوغلو كرر فيه مطالب تركيا بخصوص التحقيق الدولي في الجريمة، وما يتعلق بتعويض ضحايا أسطول الحرية (الاعتذار الإسرائيلي مستبعد)، فضلا عن تلويح أوغلو من جديد بقطع علاقات بلاده مع الدولة العبرية إذا لم تعتذر عن الجريمة، الأمر الذي يبدو مستبعدا حتى لو لم تعتذر الأخيرة التي أعلنت أنها لن تفعل على لسان نتنياهو وليبرمان.
في ذات السياق يمكن القول إن الموقف العربي (محور الاعتدال على وجه الخصوص وفي مقدمته الشقيقة الكبرى) كان أساسيا في دفع حكومة أردوغان نحو التراجع الذي تابعناه، ليس فقط لأنه لم يدعم موقفها في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، بل أيضا لأنه حرّض عليها تبعا لما سببه لها من إحراج أمام شعوبها.
لا يعني ذلك أن تركيا أردوغان ستعود إلى ما كانت عليه في علاقتها بالدولة العبرية، لكن الموقف سيغادر مربع التصعيد نحو علاقة عادية فيها الكثير من التوجس والقليل من الصدام، لا سيَّما إذا بقي مسار السياسة في الساحة الفلسطينية أقرب إلى لغة عباس- فياض منه إلى برنامج المقاومة الذي يستفز ردودا إسرائيلية عنيفة، ومن ثم جرى تنفيس الحصار على قطاع غزة بهذه الطريقة أو تلك.