جريدة الجرائد

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بين التوطين والتهجير المقنِّعين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

رغيد الصلح


بعد ايام قليلة يعود البرلمان اللبناني الى مناقشة الاقتراحات المتعلقة بالحقوق المدنية والانسانية للفلسطينيين التي تقدمت بها كتلة "اللقاء الديموقراطي" النيابية. وقد أحال رئيس البرلمان هذه المقترحات الى لجنة الادارة والعدل لدراستها، على ان تطرح مجدداً على الهيئة العامة للمجلس يوم الثلثاء المقبل. واذا عاد المجلس النيابي الى بحث هذه القضية فإنه من المرجح ان تتجدد الاجواء الحارة التي طبعت مناقشتها في الجلسة السابقة. فالانقسام حول هذه القضية لا يزال قائماً، والفترة التي تلت المناقشات النيابية السابقة تخللتها سجالات كثيرة لم تخل هي الاخرى من الحدة والعنف اللفظي بين مؤيدي الحقوق المدنية او الانسانية للفلسطينيين من جهة، ومعارضيها من جهة اخرى. وفي هذه السجالات الحامية، لم يتردد معارضو المقترحات في توجيه الاتهامات الضمنية الى الذين تقدموا بالمقترحات الاربعة بأنهم يعبدون الطريق امام "التوطين المبطن".

ان الحديث عن "التوطين المبطن" ليس خطأ. فهناك بالفعل مشاريع عديدة اريد منها توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وحيث ان "التوطين المبطن" ليس مشروعاً من صنع الخيال، فإن توجيه اتهامات مباشرة او غير مباشرة الى فرقاء من اللبنانيين او الفلسطينيين بأنهم يعملون على تنفيذ هذا التوطين يعتبر تهمة بالغة الخطورة.

لقد استفاد معارضو المقترحات الأربعة من ترسانة الاتهامات هذه، او بعضها، خلال السجالات الاعلامية التي رافقت وتبعت مناقشتها في المجلس النيابي. ورداً على هذه الانتقادات القوية، ندد وليد جنبلاط زعيم اللقاء الديموقراطي، بافتقار اصحاب هذه الانتقادات الى الحصافة السياسية. واستخدم الزعيم اللبناني في رده هذا كلمات قاسية كان من الافضل تفاديها. الا ان جوهر رده على مواقف معارضي مقترحاته لم يكن بعيداً من الصواب.

لقد اعتبر معارضو المقترحات انها ستمس مصالح اللبنانيين بخاصة الذين سيتعرضون، اذا سمح للفلسطينيين بحق العمل، لمنافسة غير محقة في بلد يعاني من نسبة بطالة عالية تضطر ابناءه الى الهجرة. استطراداً، دعا المعارضون الى التأني في دراسة المقترحات. الا ان الذي يدقق في هذه المقترحات يجد انها، بصرف النظر عن الاهداف المباشرة المتوخاة منها، توصل الى العكس اي الى الحفاظ على مصالح اللبنانيين.

ففي لبنان يفضل الكثيرون من ارباب العمل الذين يريدون تحقيق اكبر قدر من الارباح استخدام الفلسطينيين بدلاً من اللبنانيين. ويعود ذلك الى ان كلفة استخدام الاولين الذين يفتقرون الى أي نوع من الضمانات الاجتماعية والصحية والذين يقبلون عادة بأجور اقل من اللبنانيين، هي اقل عادة من كلفة استخدام اللبنانيين الذين يتمتعون بهذه الضمانات. في المقابل، فإن المقترحات التي تقدم بها "اللقاء الديموقراطي" لشرعنة عمل الفلسطينيين في لبنان تمنحهم الحق في الحصول على الضمانات الاجتماعية والطبية على نحو يساوي بينهم وبين اللبنانيين. هذه المساواة تقلل الفارق بين كلفة عمالة الفلسطينيين من جهة، وعمالة اللبنانيين من جهة اخرى، وتخفف من اغراء استخدام اليد العاملة الفلسطينية على حساب اليد العاملة اللبنانية. فعندما يجد رب العمل انه سيضطر الى "معاملة الاجراء الفلسطينيين معاملة الاجراء اللبنانيين لجهة حق التقاضي في قضايا خلافات العمل"، وأن "الأجراء الفلسطينيين يتمتعون عند صرفهم من الخدمة بالحقوق التي يتمتع بها العمال اللبنانيون"، فإنه لن يفضل بصورة تلقائية، وايثاراً للربح، العامل الفلسطيني على العامل اللبناني. وهذا بالطبع ما يفيد العامل اللبناني ويعزز تنافسيته في سوق العمل.

اذا اعتبرنا ان اصدار القوانين بمنح الفلسطينيين الحقوق الانسانية قد يفيد اللبنانيين اكثر مما يفيد اقرانهم الفلسطينيين، فلماذا يرفع الفلسطينيون اذاً هذا المطلب؟ سؤال في محله يثير ارتياب معارضي هذه المطالبات. ويبقى للارقام والاحصاءات وللمعايير والاتفاقات التي ارتبط بها لبنان ان تجيب عن مثل هذا السؤال.

من هذه الناحية فإن بعض المتحفظين على المقترحات التي تقدم بها اللقاء الديموقراطي قد يكونون على حق في المطالبة بـ "دراسة الموضوع دراسة دقيقة"، اذ انه على رغم الجهود التي بذلتها مؤسسات لبنانية مثل "لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني" و "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" و "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية"، لا تزال هناك غوامض وثغرات معرفية تحيط بمسألة الحقوق الانسانية والمدنية للفلسطينيين في لبنان. ولكن جميع الذين درسوا هذه الاوضاع نصحوا بخطورة استمرار الوضع الراهن وبضرورة المعالجة السريعة لهذه الاوضاع وبخاصة في المخيمات الفلسطينية لئلا تتكرر تجربة مخيم نهر البارد.

السؤال هنا هو: هل قام الذين يواجهون مقترحات "اللقاء الديموقراطي" بالدعوة الى التأني في التعامل مع قضية اللاجئين؟ هل فكروا في ايجاد حلول مناسبة لمشكلة مهمة تواجه اساساً الدولة اللبنانية؟ هل اقترحوا مقاربة جديدة ومحددة تنسجم مع مصلحة لبنان ومع المعايير الانسانية التي التزم بها في سلسلة من الاتفاقات والمعاهدات الدولية؟ يقول بعض المتحفظين انهم بصدد اقتراحات على هذا الصعيد، بينما يواجه البعض الآخر مقترحات "الديموقراطي" بتحفظات تتسم بطابع العمومية. في مطلق الحالات لا يظهر المتحفظون "تلهفاً" على حل اشكاليات المخيمات اللبنانية، فما هي دلالات هذا الموقف بالمقارنة مع انتقادهم لما يعتبرونه تسرعاً من قبل المطالبين بتحسين اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ هل يعني ذلك انهم يفرطون بأمن لبنان واستقراره وسمعته الدولية وكلها حوافز الى معالجة هذه القضية بأسرع وقت ممكن؟

بصرف النظر عن التكهنات والتأويلات الجازمة، فإن هذا الموقف يفسح المجال امام توجيه اتهامات مضادة لمناهضي المقترحات على اساس ان ما يسعون اليه هو "التهجير القسري والمبطن" للفلسطينيين. وتستند هذه التهمة عادة الى الربط بين الاوضاع الراهنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان من جهة، وبين الهجرة المتمادية بين اولئك اللاجئين. رداً على هذا الربط، يقول معنيون بقضايا الهجرة من لبنان انها ظاهرة عامة وليست محصورة بالفلسطينيين فقط، فالاحصاءات تقول ان معدل الهجرة بين اللبنانيين انفسهم يتراوح بين الاربعين الى ستين الفاً سنوياً. الا ان الارقام المتداولة في الاوساط الفلسطينية تشير الى ان نسبة الهجرة بين الفلسطينيين هي أعلى من نسبة الهجرة بين اللبنانيين، وانه فيما يهاجر اللبناني عادة لسبب اقتصادي، فإن الفلسطيني بات يهاجر من لبنان لكي يتخلص من ضغوط كثيرة ومتنوعة تواجه سكان المخيمات بصورة خاصة. الأهم من ذلك، ان استمرار الهجرة الفلسطينية قد يؤدي - وهذا يعيدنا الى موقف المتحفظين على مقترحات اللقاء الديمقراطي - الى ضمور الوجود الفلسطيني في لبنان، ومن ثم تلاشي مغزاه ومؤداه في الديموغرافيا اللبنانية.

قد يكون هذا السيناريو هو الافضل، من وجهة نظر المتحفظين على مشاريع تحسين اوضاع الفلسطينيين في لبنان. ولكنه سيناريو يثير معارضة قوية بين اللبنانيين، ويهدد بانقسام جديد حول "المسألة الفلسطينية" في لبنان. ولبنان لا يحتاج الى مثل هذا الانقسام، بل يتطلع الى ان تكون القضية الفلسطينية عاملاً في توحيد اللبنانيين وتفاهمهم.

يستطيع البرلمان اللبناني ان يلعب دوراً حيوياً على هذا الصعيد اذا اتخذ قراراً بتشكيل لجنة برلمانية خاصة لدراسة قضية الحقوق الانسانية والمدنية للفلسطينيين في لبنان. من شأن هذه اللجنة ان ترضي الذين يطالبون بالتأني في النظر في هذه القضية. من جهة اخرى، وحتى لا تكون هذه اللجنة مقبرة لمشروع اعطاء اللاجئين الفلسطينيين الحقوق المدنية، يفترض أن يراعى في تشكيلها تحديد هدف واضح وان يرسم لها برنامج زمني لا يتجاوز نهاية هذه السنة لتحقيق ذلك الهدف، وان تضم سائر الكتل الرئيسية في المجلس، وان تتعاون مع هيئات معنية بقضية اللاجئين مثل لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، و "الاونروا" ومنظمات مدنية لبنانية وفلسطينية وان تزود بصلاحيات وامكانات واسعة حتى تتمكن من انجاز مهمتها وتقديم مقترحاتها الى المجلس النيابي في اسرع وقت وعلى افضل وجه ممكن.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الفلسطينين
العادل -

انا مسيحى لبنان احب الفلسطينن واقدرهمهم اكثر شعوب العالم بألحيات ألقاسية والصمودالجبار البلاد العربية وكل العرب هم سبب مشكلة الفلسطينيين